الدكتور محمد رشاد أبو عرام
أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية الشرطة
الاستجواب هو مجابهة المتهم بالأدلة القائمة ضده في الدعوى، ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية كي يفندها إن كان منكرا للتهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف . وبالتالي فإن الاستجواب وسيلة اتهام ووسيلة دفاع في آن واحد(1). والاستجواب يختلف عن سؤال المتهم الذي يعني مجرد إحاطته علما بالتهمة المنسوبة إليه وإثبات أقواله بشأنها في المحضر دون مناقشته فيها مناقشة تفصيلية أو مجابهته بأدلتها. والاستجواب إجراء من اختصاص سلطة التحقيق(2), وهو محظور كلية على سلطة الاستدلال، وقد أجازه المشرع العماني للمحكمة ( طبقا للمادة 193 من ق. أ. ج. العماني). ويجوز لمأمور الضبط القضائي المنتدب لإجراء بعض التحقيقات من قبل سلطة التحقيق أن يستجوب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها على فوات الوقت، متى كان استجوابه متصلا بالعمل المندوب له ولازما في كشف الحقيقة ( طبقا للمادة 71/2 من ق. أ. ج. المصري والمادة 75 من ق. أ. ج. العماني) .
ولكن لدى استجواب نوع معين من المتهمين أو المجني عليهم أو الأشخاص المعوقين فإن الأمر يتطلب قدرا معينا من الاهتمام ، أو الأخذ بعين الاعتبار بعض القواعد التي تختلف بحسب نوع الإعاقة (3). ولذلك سنعرض لطوائف المتهمين ذوي الإعاقة ، كالأصم والبكم وكفيف البصر والمشلول.
أولا: استجواب المتهم الأصم والأبكم:
لم ينص المشرع المصري أو العماني أو سائر التشريعات الإجرائية العربية على كيفية استجواب المتهم الأصم أو الأبكم، ولذلك فلا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة وما تمليه مصلحة العدالة في هذا الشأن.
فإذا كان المتهم أبكما فتوجه إليه الأسئلة شفويا ، ويقوم بالرد عليها كتابة (4). وإذا كان المتهم أصما فتكتب له الأسئلة ولكن إجابته عليها تكون شفويا (5). أما إذا كان المتهم أبكما ويجهل القراءة والكتابة، فإنه يجوز للمحقق أن يعين له خبيرا من المتخصصين في الصم والبكم ليشرح له الأسئلة التي يوجهها له المحقق أو القاضي بالطريقة التي يفهمها كالإشارات، وينقل عنه إجاباته ويدلي بها شفويا (6)، وهذه أنجح وسيلة في الحصول منه على المعلومات.
وقد عبرت محكمة النقض المصرية عن ذلك بقولها إن ” إدراك المحكمة لمعاني إشارات الأصم الأبكم أمر موضوعي يرجع لها وحدها، ولا معقب عليها في ذلك، فلا تثريب عليها إن رفضت تعيين خبير ينقل لها معاني الإشارات التي وجهها المتهم إليها ردا عن سؤاله عن الجريمة التي يحاكم من أجلها، طالما كان باستطاعة المحكمة أن تتبين بنفسها معنى هذه الإشارات، ولم يدع المتهم في طعنه أن ما فهمته المحكمة مخالفا لما أراده من إنكار التهمة المسندة إليه “(7).
وهذا ما تقضي به القواعد العامة، ولا يوجد خلاف في ذلك بين التشريعات الإجرائية الجنائية، إلا أن بعض التشريعات قد نصت على تلك القواعد صراحة منعا لأي شك، ومنها المادة (119) من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي، التي نصت على قواعد استجواب المتهم الأصم أو الأبكم (8).
ونرى مع البعض أنه في حالة استجواب المتهم الأصم أو الأبكم أو الأصم الأبكم، فإنه يجب تعيين خبير أو مترجم؛ لأن ذلك يعد من المسائل الجوهرية التي يترتب على تجاهلها البطلان، لاسيما وأن الأمر يتعلق بالاستجواب الذي يتضمن المناقشة التفصيلية للاتهام والمواجهة بالأدلة، الأمر الذي يقتضي معه تعيين الخبير تحقيقا لمصلحة التهام والدفاع معا(9).
ولذلك فقد استقرت أحكام القضاء الفرنسي على أن حضور المترجم يكون واجبا فحسب بالنسبة للاستجواب أو المواجهة، فالقاضي لا يكون ملزما بانتدابه لمساعدة المتهم عند اتخاذ الإجراء الأخرى، أو حتى أثناء حديثه مع محاميه (10).
وإذا كانت عاهة الصم والبكم مرتبطة بتخلف عقلي ، مثل ” المرض المغولي “، فيجب أن يكون السؤال مبسطا ومفصلا بدقة ، وأن لا يكون مربكا، وإنما يجب أن تكون كل جزئية فيه على حدة ، حتى يحصل المحقق على إجابات واضحة وصحيحة صادرة عن عقل هذا الشخص (11).
ثانيا: استجواب الشخص كفيف البصر:
يتميز فاقد البصر بحساسية شديدة ، كما يتميز بالقدرة الفائقة على تمييز الأصوات ، ومعرفة ما يدور أمامه بالرغم من عدم إبصاره، فضلا عن قدرته الهائلة على سماع الأصوات الخافتة. ولذلك ينصح المتخصصون بعدم ترديد أصوات أمامه في الخفاء حتى لا يسمعها فيضيع الهدف المقصود. ويجب أن يتم التعامل معه على أنه مبصر، كما يجب الحرص على أن لا يشعر الشخص الأعمى أن المحقق يتلاعب به نظرا لكونه كفيف البصر، مما قد يثيره ويجعله عصبيا فيرفض التعامل مع المحقق ؛ وبالتالي يضيع الغرض من استجوابه، وقد يكون ذلك في غير صالح العدالة(12).
وتؤكد وقائع المحضر رقم 6829 إداري عابدين لسنة 197الذي أعيد قيده برقم 397جنايات أمن دولة عسكرية عابدين لسنة 1976 إلى قدرة الشخص فاقد البصر على الإدلاء بشهادته، حيث ورد بلاغ من صراف اكتشف سرقة حقيبته وبها مبلغ سبعة عشر ألف جنيها، هي مرتبات الموظفين التي صرفها من البنك المركزي. وكان المتهمون قد أخفوا تلك الحقيبة لدى أحد سكان المنزل الذي يقطنون به بباب الشعرية ، وكان فاقد البصر ، فدفعه الفضول إلى أن يفتح الحقيبة ويتحسس محتوياتها ، فوجدها أوراق بنكنوت جديدة ، وقد عاد المتهمون بسرعة واستردوا منه الحقيبة . ثم سمع فاقد البصر في اليوم التالي خبر السرقة من شخص قرأ الجريدة ، فربط بين هذا الخبر والحقيبة ، وذهب وأدلى بأقواله أمام السلطات المختصة، وكانت أقواله هي التي أدت إلى القبض على الجناة (13).
ثالثا: استجواب المشلول:
قد يكون الشخص المشلول قعيدا على كرسي متحرك ، أو يحمله ذوه للإدلاء بمعلومات عن الجريمة ، أو يكون هو ذاته المجني عليه في الجريمة التي يجري الاستجواب بشأنها، ومن النادر أن يكون الشخص المشلول متهما. وفي هذه الحالة يجب مراعاة الآتي:
1- مثل هؤلاء الأشخاص يجب أن يكون لهم الأولوية في الاستجواب.
2- يجب أن يحرص المحقق أن لا تطول مدة الاستجواب فترة طويلة مع هذه الفئة نظرا لطروفهم الصحية، وحسن استقبالهم، والعناية بهم.
3- يجب أن يكون ذوو المشلول بجانبهم أثناء الاستجواب فربما يحتاجون إلى مساعدتهم.
4- يجب عدم استدعاء هؤلاء الأشخاص أكثر من مرة ، حت لا يتسبب ذلك في عدم تعاونهم مع سلطة التحقيق.
5- في الحالات الحرجة ليس ثمة ما يمنه المحقق من الانتقال إلى محل إقامة هؤلاء الأشخاص لاستجوابهم أو سؤالهم أو سماع أقوالهم إذا كانت تفيد التحقيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) د . نبيل مدحت سالم: شرح قانون الاجراءات الجنائية ، الجزء الثاني، دار النهضة العربية، رقم 3288 ص 1273.
(2) د . محمود محمود مصطفى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة 1988، الطبعة الثانية عشر ، رقم 1- 6 ص 3-7.
(3) اللواء سراج الدين الروبي، الاستجوابات الجنائية، الدار المصرية اللبنانية، 1997، ص 248.
(4) نقض فرنسي 22 أبريل 187، ق 150.
(5) نقض فرنسي 29 ديسمبر 1954،ق 358.
(6) د . محمد سامي النبراوي، استجواب المتهم، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1968، ص 74.
(7) نقض 28 نوفمبر 1960، مجموعة أحكام محكمة النقض س11، رقم 30، ص848؛ نقض 28 فبراير 1980، ، س 31، رقم 49، ص 307.
(8) وتنص المادة على أنه ” 1- إذا رغب الأصم أو الأبكم أو الأصم الأبكم في الإدلاء ببعض الأقوال ، أو كان أحدهم ملزما بذلك ، فتقدم إلى الأصم كتابة الطلبات والملاحظات والإنذارات ليرد عليها شفويا ، وتقدم إلى الأبكم شفويا الطلبات والملاحظات والإنذارات ليرد عليها كتابة . 2- إذا كان الأصم أو الأبكم أو الأصم الأبكم لا يعرف القراءة أو الكتابة تعين سلطة الحكم أحد المترجمين أو أكثر يتم اختيارهم من الأشخاص الذين يتعاملون معه عادة “.
(9) د . عادل حام بشير محمد، ضمانات الاستجواب، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، 2001، ص 124.
(10) نقض فرنسي 22 يونيه 1933، بلتان 1933، رقم 132 ؛ دز محمد سامي النبراوي، المرجع السابق، ص 272.
(11) اللواء سراج الدين الروبي، المرجع السابق ، ص 272.
(12) اللواء سراج الدين الروبي ، المرجع السابق ، نفس الموضع .
(13) المرجع السابق .