النقيب أحمد بن حمود العيسائي
رئيس قسم التطبيقات والوسائل التعليمية
لقد حظي إعداد المدرب وتأهيله باهتمام كبير من قبل القيادة الموقرة بشرطة عمان السلطانية علميا وعمليا، مما مكن المدربين من القيام بأعمالهم على أكمل وجه . ومن بين تلك الاهتمامات التركيز على ما يطلق عليه (التعليم المصغر) الذي يمثل اتجاهاً معاصراً في إعداد المدربين وتدريبهم قبل قيامهم بالتدريب واثنائه.
ومما لاشك فيه هو أن المدرب يمثل أحد أبرز عناصر العملية التدريبية والتعليمية في أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة وركائزه الرئيسية التي تتصل بتحصيل المتدربين وتعليمهم، فضلاً عن كونه حجر الزاوية في أي مسعى لتطوير التعليم والتدريب وإصلاحه وتطوره .
وقد أكد بعض الباحثين أنه “لا يمكن لأي نظام تعليمي أو تدريبي أن يرقى إلا من خلال ارتقاء مستوى المدربين أو المعلمين فيه” ( عبد الحميد ، 2013 ).
لذا فإننا نسلم بأهمية المناهج العلمية وطرق التدريس واساليب التدريب الحديثة والتجهيزات الحديثة في تحسين مستوى التدريب والتأهيل ورفع كفاءتها لدى المتدرب، إلا أن آثارهما تبقى محدودة الفائدة ما لم يتوفر مدرب كفء وفعال ، فمهمة المعلم بصفة عامة ، ومدرب التدريب البدني والسلوكي بصفة خاصة لم تعد عملية ديناميكية مقتصره على نقل المعرفة إلى المتدربين، كما كانت في السابق ، بل أصبحت عملية تربوية شاملة تهدف إلى الارتقاء بقدرات المتدربين العقلية والسلوكية والاجتماعية وتطوير شخصيتهم بصورة عامة.
وعليه فإن برامج وطرق إعداد المدربين سواء قبل قيامهم بالتدريب أو إثنائه، تعد ضرورية لضمان نجاح العملية التدريبية والتعليمية ( الملا عبدالله 2014 ). ولذلك فإن جل البرامج التي يتعلمها المدرب أثناء تدريبة تتيح له الفرصة لكي يضع ما تعلمه من استراتيجيات ونظريات تدريس ومفاهيم علمية موضع التنفيذ العملي تحت ملاحظة وإشراف المتخصصين في مجال التدريب والتأهيل.
ويعتبر اسلوب التعليم المصغر، الذي هو صلب موضوعنا، أحد أهم الطرق المستخدمة في عملية تدريب المدرب المؤهل للتدريب، كما أنه هو أحد أهم البدائل المستخدمة للتغلب على نقاط الضعف الموجهة إلى الأساليب التقليدية في إعداد المدرب المؤهل للتدريب أو في إعداد المعلم للتدريس.
مفهوم التعليم المصغر :
عرّف الين وريان ( 2010، ص3، 7 ) التعليم المصغر بأنه مفهوم تدريبي يمكن تطبيقه في مراحل مختلفة من البرامج المهنية للمعلمين والمدربين سواء بالنسبة للتدريب السابق للخدمة أم إثناءها كما عرفاه بأنه سلوك مكون من مجموعة المهارات المعقدة التي يمكن تحديدها من خلال تحليل هذا السلوك ، ثم التدريب على كل منها تدريبا مكثفا ، وتحت ظروف معينة يمكن التحكم فيها بمساعدة الوسائل والأجهزة المناسبة.
وهو في رأي آخرين ( الملا عبدالله ، 2000 ) عبارة عن موقف تدريبي بسيط يتم فيه التدريب والتعليم لمجموعات صغيرة من المتدربين (يتراوح عددها من 5-10 متدربين) ولفترة زمنية قصيرة تتراوح من (10-15 ) دقيقة ويتم تسجيل هذا الموقف على أشرطة فيديو ليتم مناقشتها وتقويمها.
ويمكن تلخيص خطوات الدرس المصغر على النحو التالي:
- 5 دقائق – موقف تدريبي مختصر يركز على مفهوم أو مبدأ ما.
- 10 دقائق – حصة نقد بين المتدرب والمشرف .
- 15 دقيقة – إعادة صياغة الموقف التدريبي في ضوء ملاحظات المشرف والمتدربين.
وعليه فإن التعليم المصغر هو عبارة عن موقف تدريبي حقيقي يتدرب فيها المدرب على اتقان مهارة أو مهارتين من مهارات التدريب بهدف اتقانهما وعند اتقانهما ينتقل المدرب إلى إتقان المهارات الأخرى ، وبذلك فهو يحتوي على جميع عناصر التدريب، المعرفة ، المدرب، والمتدربين ، ومشرف التأهيل، والوسائل المعينة، والتغذية الفورية ، والتقويم ، وعليه فهو يتميز عن غيرة من التعليم بأنه يعطي المدرب تغذية راجعة فورية وتقييم ذاتي ، يتم من خلال التعليم المصغر تبادل الأدوار.
والتغذية الراجعة هي العملية التي يقصد بها معرفة نتائج العمل بطريقة فورية لتعزيز الاستجابات الصحيحة وتلافي الاستجابات الخاطئة.
المهارات الأساسية التي ينبغي أن يدرب عليها المدرب المؤهل للتدريب :
هناك مجموعة مهارات أشار إليها أغلب الباحثين والمهتمين في مجال التربية، إلا أنني سوف أقتصر على المهارات الأساسية ، والتي أرى من وجهة نظري أنها هي الأعلى فائدة لكون أن أغلب المؤسسات التربوية تتفق عليها :
- مهارة تهيئة الموقف التعليمي :
هذه المهارة يتم فيها استثارة المتدربين وتشوقهم للموقف التدريبي ، حتى يزيد من درجة اشتراكهم وفاعليتهم للدرس، ( حركة المدرب ، الإيماءات التي تصدر عنه سواء بالرأس أو اليد).
- مهارة استخدام الأسئلة :
هي من أهم المهارات التي ينبغي أن يتدرب عليها المدرب ، وتتوقف عليها تنمية الفكر العلمي لدى المتدربين ، وهي عبارة عن مجموعة من الأساليب السلوكية .
- قدرة المدرب على توجيه الأسئلة المباشرة التي يستطيع منها توضيح مفهوم معين .
- قدرة المدرب على توجيه أسئلة يقارن فيها بين مفهومين.
- قدرة المدرب على توجيه أسئلة استقصائية.
- قدرة المدرب على الصمت لمدة ثوان بعد إلقاء السؤال.
- مهارة التعزيز :
على المدرب المؤهل للتدريب أن يتقن مهارة التعزيز في الجوانب السلوكية لدى المتدربين ، حيث تعتبر من العمليات الأساسية لنجاح العملية التربوية:
- كل متدرب يتمتع بمجهودات فردية في مدى استيعابه للموقف التدريبي فعلى المدرب أن يقدر هذه المجهودات.
- المدرب يجب أن يكون متعاون مع المتدربين في بعض الأعمال.
- المدرب يجب أن يتقبل أفكار المتدربين واستخداماتها وتقديم خبرات تعليمية لكل فرد على حده.
- مهارة التمكن من الموقف التدريبي :
- على المدرب أن يتمكن من الموقف التدريبي الذي سوف يقوم بتدريبه أو تدريسه ، وكذلك تمكنه من صياغة أهدافه العامة وتحليلها لاستخلاص منها أهداف خاصه للبنود الفرعية للموقف التدريبي.
- على المدرب أن يكون لدية القدرة على أن يربط بين المفاهيم والحقائق والتعميمات.
- مهارة مرونة المدرب وطلاقتة اللفظية:
يجب أن يتمكن المدرب من استخدام أكثر من طريقة للتدريب والتدريس وطرق استخدامه للوسائل التعليمية المناسبة للموقف التدريبي ، ليسهل عليه توصيل المفاهيم المختلفة للمتدربين بلغة سهلة وميسورة.
وعليه فإن المدرب لكي يكون مؤهلاً للتدريب يجب أن يتعلم هذه المهارات نظرياً ليتعرف على الطرق الصحيحة لاستخدامها، ثم يعرض عليه عروض نموذجية لأشرطة فيديو مسجلة توضح الطرق الصحيحة لعرض المادة للمتدربين وطرق ايصال المعلومة بسهوله ويسر لهم ، بعدها يشاهد تسجيلاً لأدائه يمكنه من تدوين استجاباته الخاطئة ويعزز من ممارساته الصحيحة.
اجراءات وخطوات استخدام أسلوب التعليم المصغر :
يتطلب استخدام التعليم المصغر كأسلوب لتدريب المدربين والمعلمين في مركز التدريب والـتأهيل اتباع إجرائية قبل تقديمة :
- تحديد المهارات التي سوف يقدمها المدرب المؤهل للتدريب بما لا يزيد عن مهارتين في كل موقف تدريبي .
- تحليل المهارة موضوع التدريب إلى أهداف سلوكية يقدمها المدرب المؤهل للتدريب للمتدربين لدراستها.
- تحديد عدد المتدربين …. في القاعة الدراسية يكون هناك عدد أربعة متدربين، والمدرب المؤهل للتدريب ومشرف التدريب.
- تقديم المناقشة …. بعد إعداد خطة للدرس المصغر يقوم المدرب المؤهل للتدريب بوجود المشرف على التدريب بمناقشة المتدربين حول مهارة معينة من المهارات التدريبية .
- تسجيل الموقف التدريبي على شريط فيديو … يقوم المدرب المؤهل للتدريب بتسجيل الموقف التدريبي.
- التحليل والنقد …. بعد انتهاء من الشرح يملا المتدربين استبيانا تقويميا عن أسلوب المدرب المؤهل للتدريب، وبعدها يناقش المشرف على التدريب والمدرب المؤهل للتدريب الموقف التدريبي الذي ألقي عن طريق الرجوع إلى الملاحظات المدونة ، وأجوبة المتدربين ، ومشاهدة بعض المشاهد المسجلة على شريط الفيديو وذلك لتقديم التغذية الراجعة الفورية.
- إعطاء استراحة …. يعطى المدرب المؤهل للتدريب استراحة قصيرة، يبدأ تدريب المدرب المتأهل من جديد على الموقف التدريبي لكن بوجود أربعة متدربين آخرين ، إلى أن يمتلك المدرب المتأهل المهارة التدريبية والتدريسية المطلوبة.
إن مبدأ التعليم المصغر يقوم على أن المدرب المتأهل يكون قد اطلع من قبل على نموذج معين حول وجهة نظر تدريبية ومهارة تدريبية مثل كيفية طرح الأسئلة وتلقي الاجابات … وقد يستغرق التدريب أسبوعاً على أن لا يتجاوز عدد المتدربين عن أربعة والوقت اللازم لإكساب المهارة بين ( 5-10)دقائق.
وفي كل مرة يتم النقاش بين المدرب المؤهل للتدريب والمشرف على التدريب وإعادة الموقف التدريبي بشكل أكثر فاعلية ، حتى يمتلك المدرب المتأهل المهارات المطلوبة.
ويتم تقويم أداء المدرب المؤهل للتدريب في المهارة المحددة بعد تكرار أداءه أكثر من مرة.
مميزات التعليم المصغر وفوائده :
للتعليم المصغر عدة مميزات وفوائد أهمها:
- إن التعليم المصغر يكسر حاجر الخوف والخجل لدى المدرب المؤهل للتدريب ويخفف من حدة الموقف التعليمي الحقيقي في القاعة الدراسية إذ يسوده في بعض الأحيان القلق وتظهر عليه حاله من الارتباك والتوتر، فالمدرب المؤهل للتدريب في القاعة الدراسية يشعر بقدر من الثقة لسيطرته على جميع متغيراتها وتمكنه من مكونات العملية التعليمية القائمة عليها.
- إن المحتوى الذي يقوم عليه التعليم المصغر بسيط، كما أن زمن إلقاءه قصير والطلاب قليلون ، فهذا كله يساعد على تقليل درجة تعقيد الموقف التعليمي الحقيقي.
- في التعليم المصغر يتمكن المدرب المؤهل للتدريب من اتقان المهارات التدريبية المختلفة ، مما يمكنه من استيعابها ومن سهولة عرضها نتيجة لتكرار ادائها .
- تقوم العملية التربوية على عدة مهارات أو استراتيجيات تدريبية وتدريسية ، لذا فإننا نركز في التعليم المصغر على الأهم منها ، مما يجعل المدرب المؤهل للتدريب لا يستنفد مجهوده في ممارسة مهارات ثانوية يمكن اكتسابها بمرور الزمن.
- يتيح التعليم المصغر، بعد تسجيل الدرس في أشرطة فيديو أن يشاهد المدرب المؤهل نفسه وهو يقوم بالتدريب أو التدريس ، ومن ثم سوف يتمكن من تقويم نفسه والتعرف على أخطائه ، وهذا يمكنه من تعديل سلوكه وأداءه في التدريب والتدريس.
- يعطى التعليم المصغر فرصة لعدد أكبر من المتدربين لممارسة التدريب والمشاركة في المناقشة أثناء التدريس بسبب الوقت المخصص لكل منهم ، فضلاً عن قلة عددهم .
سلبيات التعليم المصغر:
على الرغم من اتفاق المربين على أن التعليم المصغر يعتبر وسيلة فعالة في اكساب المدربين والمعلمين المزمع دخولهم في سلك التعليم والتدريب المهارات التدريبية والتدريسية المختلفة ، إلا أن هناك مشكلات واجهت التوسع في استخدامه، بعض منها يعود إلى صعوبة الضبط والتحكم في بعض المتغيرات المرتبطة بالموقف التدريبي وبعضها الآخر يرتبط بأساليب القياس والتحليل مما يؤدي في النهاية إلى صعوبة الوصول إلى نتيجة تؤكد أهمية وفعالية التعليم المصغر. ( محمود ، سعد 2010).
ومع لما وجهة النظر هذه من وجاهة، إلا أن كل مشكلة ولها حل لا سيما في الحقل التربوي الذي يعتبر الركيزة الأهم في رقي المجتمعات ونهضتها.
الخلاصة :
مؤدى ما سبق ذكره ، إن فكرة التعليم المصغر تحتاج إلى اهتمام كبير من قبل القائمين على تأهيل المدربين ، ومن الممكن تطويرها بحيث تستخدم على نطاق واسع ، وهو لا ريب أسلوب جديد في تطوير عملية التدريب والتدرب والتعليم والتعلم، ولذا فإنه لا بد من وجود برامج وطرق ناجعة لإعداد المدرب المؤهل للتدريب لكي يكون مؤهلاً . ومن أهم وسائل التعليم المصغر التي يستخدمها المدرب في ايصال معلومات التدريب العملية والنظرية هو استخدام اسلوب التعليم المصغر الذي له من جانب آخر أهمية في اعداد المدرب نفسه . ومن جملة ما يتوجب في إعداد المدرب أن هناك مجموعة من المهارات الأساسية التي ينبغي أن يستوعبها المدرب كمهارة تهيئة الموقف التعليمي ، ومهارة استخدام الأسئلة ، ومهارة التعزيز ، ومهارة التمكن من الموقف التدريبي . ومن أجل انجاح استخدام اسلوب التعليم المصغر لا بد من أن تكون هناك خطوات واجراءات يتوجب القيام بها للوصول بالمدرب المؤهل للتدريب إلى أعلى مستوى من التأهيل والكفاءة.
المراجع :
- محمود ، سعد ( 2010). التربية العملية بين النظرية والتطبيق ( ط1). عمان ، الأردن : دار الفكر.
- الملا عبدالله ، فيصل (2011) . فاعلية استخدام أسلوب التدريس المصغر في تنمية بعض كفايات التدريس لدى الطلاب المعلمين بقسم التربية الرياضية بجامعة البحرين . المجلة التربوية : العدد 72- سبتمبر 2011م.
- عبد الحميد ، جابر (2013). مدرس القرن الحادي والعشرين الفعال: المهارات والتنمية المهنية. القاهرة: دار الفكر العربي.
- الجهمي، يوسف شحاته (2015) . التدريس المصغر : رؤية معاصرة . اللوتس : البحيرة ، ص 210.
- Allen,Dwish,&Rayan, Kevin,(2006) Micro teaching ,California,Addison,Wesley Publishing Com .