الدكتور محمود أحمد العطا
أستاذ مساعد بكلية الشرطة
ينبغي علينا أولاً أن نؤكد بأن قيم مهنة الشرطة هي جماع لفضائل المهن الأخرى.. الإطار القيمي لرجل الأمن هو أهم وأشمل من الأطر القيمية للمهن بل قد تكون في محصلتها هي الإطار القيمي للمجتمع ككل. إن رجل الشرطة يجب أن يتحلى بجملة من المبادئ الأخلاقية والقيم التي تساعده على أداء عمله وتشعر الآخرين بأهميته وترفع من مكانته وتكسبه الإحترام المطلوب له ولمهنته ، ليكرس وقته كله لخدمة الجنس البشري عامة وبؤدي مهام وظيفته بكفاءة عالية ليقوم على حماية الأبرياء من الظلم والضعفاء من القهر والمسالمين من الفوضى والإرهاب. يقدس حق الجميع في الحرية والعدل والمساواة وفق ما يكفله لهم الدستور وتقره القوانين ولتكون حياته مثالاً لكل من ينظر إليه. يتسم بالصلابة في كل المواقف ولا ينهار ولا تستفزه الكلمات الجارحة. دائم الإحساس بمشاعر ثقة الجميع .. ويتمسك بالفضائل وتأبى نفسه عن المزالق والشبهات ـ يحافظ على أسرار عمله بما يتطلبه من أمانة وإخلاص.
كما إن على رجل الأمن أن يكون شجاعاً دون تهور عند الخطر ، صلباً أمام النقد المغرض أو الهزؤ اللثيم ، عفيفاً عن الصغائر ، دائم الإحساس بمشاعر الخير نحو الناس ، أميناً في الفكر والعمل ، مطيعاً كأخلص ما تكون الطاعة لقلنون الوطن. كما يجب أن يكون حافظاً أبداً للسر في كل ما يرى أو يسمع أو يكلف به ، إلا إذا كان الكشف من مقتضيات الواجب المهني. وأن لا يسمح لنفسه بالإنسياق في مجاملة الآخر بدون حق أو التأثر بمشاعره الخاصة دون حياد ، أو إتخاذ حكم فج أو الجري وراء صداقة أو حب أو حقد.
وقد لخصت دورة الإنعقاد الثانية لمديري الشرطة والأمن العرب المنعقدة بالإردن ، في عام 1974م في قرارها رقم ( 22 ) مثل آداب الشرطة العربية ( ما يجب أن تكون عليه ) في صيغة حوت العديد من الصفات الجليلة .. وتخط طريقاً وأضحاً ونيراً لما ينبغي أن يتسم به.
ويسير على هداه خدمة للمواطنين .. حيث تم وصف الشرطي العربي بأنه ثابت الجنان ، عفيف اليد ، طاهر اللسان ، مهيب الخطى ، طليق الوجه أبي التواضع سمح الكبرياء ،ثاقب النظر ، فارط الحذر يزهو بالخطو المهيب ، والزي البهيج ، سباق لنصرة المظلوم ، مرابض في حرقة النهار لا يليين ، صامد في صقيع الليل لا يستكين ، يراعي الله في ما شاء وقصد ، السلطة بين يديه أمانة ، لا يرهقها بباطل العلم في يمناه ضوء ساطع ، العدل في يسراه سيف قاطع .
وتصلح هذه الصيغة في ناظري الأخذ بها دوماً وأبداً .. لأنها جاءت مرتكزة على قيم الحق والعدل .. النابغة من الدين الحنيف ومن إرث حضاري .. وثقافي واجتماعي .. متمثلاً في العروبة ومآثرها ومفاخرها .. بالإضافة لمطالبتها بإتباع سنن الحق والعدل.
ولأن وظيفة الشرطة لا تختلف أهدافها ومبادئها في كل أرجاء العالم .. بحسبان أنها صمام الأمان الذي يوفر للمجتمعات الأمن والطمأنينة .. فأنه لابد من الإشارة أيضاً لما جاء في دستور وأخلاق الشرطة الذي صاغة الإتحاد الدولي لمديري الشرطة عام 1957م.
والذي بلور بصفة خاصة واجبات الضباط .. ولكنه يصلح لتعميمه لكل أفراد الشرطة خاصة إذا وضعنا في الإعتبار أن قانون الشرطة يطلق لفظ الشرطي على أفراد الشرطة ضباطاً ورتباً أخرى.
إن الوصول لرجل الشرطةالذي يحمل الصفات المطلوبة بالقدر الكافي يرتبط إرتباطاً مباشراً ووثيقاً مع حسن الإختيار. إذ لابد أن يكون الإختيار عبر قنوات دقيقة وسليمة. ولا يكتفي في هذا الجانب بالمؤهل الأكاديمي فحسب .. بل لابد من توفر لياقة بدنية وطبية تؤكد صلاحية الفرد لأداء واجبه ومهامه الجسام .. ومقدرته على تحملها. ولابد من إخضاع المقدرات العقلية والخصائص النفسية أيضاً للإختبار. ويعقب ذلك تدريب تخصصي يكون مع الإختيار الحسن عاملاً هاماً في حسن الأداء .. والكفاءة.
القيادة والقائد الشرطي:
تعتبر الإدارة الناجحة سر نجاح الدول في كل مكان وزمان ، وقد سادت الحضارات بالإدارة الناجحة فكراً وتطبيقاً وبادت بالفوضى لأن الإدارة تعني النظام والإنتظام.
تسعى الإدارة لتوجيه الطاقات البشرية توجيهاً صحيحاً نحو خدمة بعضها والوصول إلى الهدف الذي يحقق الخير والسعادة بالاستغلال الأفضل للموارد المتاحة ، بشرية ومادية.
ويمكننا أن نستنبط تعريفا للإدارة بأنها هي الهيمنة علي آخرين لجعلهم يعملون بكفاءة تحقيقاً لهدف موقوت منشود.
ويرى الدكتور مدني علافي: ( أن الإدارة هي العملية الخاصة بتنسيق وتوحيد جهود العناصر المادية والبشرية في المنظمة عن طريق تخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة هذه الجهود من أجل تحقيق الأهداف النهائية للمنظمة ).
وقد تشعبت الآراء حول الإدارة هل هي علم أم فن .. فهناك علم الإدارة وهنالك فن الإدارة .. وكلاهما من الأمور الحيوية للإدارة الناجحة ، فهي إذاً علم يرتبط بفن ، وفن يلزمه علم إن صح التعبير. وتبقى الإدارة الناجحة دوماً مزجاً وإرتباطاً أصيلاً بين الفن الإداري المكتسب بتنمية المهارات والعلم المكتسب بمسايرة التجارب العلمية والأفكار المتطورة والإلمام بكل ما يجد من نظريات في مجال العمل.
وقد جاء في تعريف مكتب العمل الدولي سنة 1978م لمصطلح الإدارة بأنها: ( فن توجيه أنشطة العاملين نحو هدف مرسوم ، وهي علم بإعتبار إستخدام الأسلوب العلمي في التحري والبحث والتحليل والتشخيص وإختيار البديل والتجارب والتطبيق وصولاً للنتائج. وهي فن لإعتمادها علىخبرات وقدرات وموهبة وإبداع الإداري وتصرفه السليم في تسيير العملية الإدارية بشكل مرضي تحقيق النتائج المطلوبة.
القيادة والقائد:
لم يتفق الباحثون على تعريف لمصطلح القائد والقيادة فالبعض يرى أن القيادة خصيصة من خصائص الجماعة وأن الفرد يعتبر قائداً في إطار هذا المفهوم أي بمعنى ( رئيس ). ولكن البعض الآخر يرى أن القيادة خصيصة من خصائص الفرد ، فالقائد في نظرهم هو الذي يتسم بسمات شخصية معينة مثل القوة البدنية ـ الذكاء ـ ضبط النفس وغيرها من السمات الشخصية.
وهنا لابد أن يبرز السؤال الهام .. وهو (ما هو الفرق بين القائد الرئيس .. والرئيس القائد؟؟).
ويرى البعض أن أي شخص بحكم أقدميته وموقعه يمكن أن يكون رئيساً .. ولكن ليس كل رئيس يمكن أن يكون قائداً.
فالرئيس له مظاهر رئاسية يمارسها بحكم موقعه الرئاسي ولكن القائد له صفات سايكولوجية ـ وهنا يبرز سؤال آخر .. هل القائد موهوب أم مصنوع؟؟ .
ويقول د. كنعان:
( ذهب كثيرون من رجال الفكر الإداري إلى القول بأن القيادة هي جوهر العملية الإدارية وقلبها النابض وأنها مفتاح الإدارة ) وعلى الرغم من وجود بعض الإختلافات بين كتاب الإدارة وعلمائها في تعريف مصطلح القيادة إلا أنهم جميعاً يتفقون على مفهوم واحد هو أنها: ( عملية التأثير على أنشطة الأفراد والجماعات من أجل تحريكهم إدارياً تجاه تحقيق هدف مشترك في إطار ظروف موقف معين ) وعلى ذلك يكون القائد الناجح هو الذي يكون قادراً علي التفاعل مع المجموعة وإحداث التكامل في سلوك أفرادها ، آخذاً في الإعتبار قيم وتطلعات أعضائها.
ويكون القائد ناجحاً وفعالاً إذا إستطاع أن يدفع تابعيه إلى تحقيق الهدف مستخدماً في ذلك قوة نفوذه إلى جانب سلطته بطريقة متوازنه بحيث يستطيع إقناعهم بأن أهدافهم الشخصية هي جزء من الهدف الجماعي ويؤثر بذلك على معنوياتهم.
ولا توجد صفات ثابته يمكن إضفاؤها على القائد أو القادة الناجحين لإختلاف أنواع القيادة نفسها ومواقعها ومتطلباتها .. كما أن تلك الصفات لا يمكن توفرها بصورة مطلقة في شخص ما لتكون معياراً للإختيار .. وهنالك بعض المهارات المكتسبة مثل:
- المهارات الفنية .
- المهارات الإنسانية .
- المهارات الفكرية .
لابد أن توضع في الإعتبار .. بالإضافة لبعض العوامل التي تحدد الصلاحيات بالنسبة للقادة مثل:
- وضوح الرؤيا فيما يتعلق بالأهداف .
- الإيمان بتلك الأهداف .
- التقدير السليم للمواقف وعاقبتها .
- الإستعداد لتحمل المسؤولية .
- حسن التصرف في أوقات الأزمات والمهام الصعبة .
- مراعاة الإعتبارات الإنسانية.
- السعي الواعي للإصلاح والتطوير .. وإستغلال روح القائد وفكره وشحذ قدرات الآخرين لسد النقص في الأمكانات والمعينات .
- التعرف على شئون القيادة دون إنشغال بما هو دون مستوى وعمل القائد .
القيادة الإدارية في الشرطة:
النظر لدور القيادة الإدارية في الشرطة يتطلب النظر لدور الشرطة في المجتمع كمنظمة من منظماته .. وكما ورد من قبل فإن المنظمة الشرطية تقوم بتوفير الأمن وبسط الإحساس العام بالإستقرار والأمان .
وبهذا يصبح إطلاق لفظ أن الشرطة من منظمات الأزمات غير دقيق لأن الحاجة الي المنظمات الشرطية قائم سواء حدثت الأزمة أو ساد الإستقرار.. هذا بالإضافة إلى أن وقت الأزمات يكون دوماً في رحم الغيب.
وتختص الشرطة بالإضافة لدورها المتفرد بالحفاظ على سيادة الدولة وحماية الأمن الداخلي.. بإختصاص يدخل في دائرة كل المنظمات الأخرى لمشاركتها في عملها .. ولتسهيل مهامها .. وتوفير المناخ المناسب لذلك .
ويرتبط عمل الشرطة ويتداخل بأسلوب مباشر أو غير مباشر مع الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق أهدافها في مجال توفير الأمن لكل منها .. لذلك فإن مفهوم العمل الإداري أو القيادي في الشرطة يجب أن يقوم على فهم ومعرفة تامة لأبعاد تلك الأنشطة.
إن ما يميز العمل الشرطي عن أعمال المؤسسات الأخرى هو ذلك الإطار الانضباطي والذي يعني الإنضباط القائم علي الطاعة والإلتزام باللوائح والأوامر والتعليمات .. بالاضافة للزي المميز .
وتتجلى فعالية القيادة الشرطية في مدي محافظتها علي الإنضباط وقدرتها على ذلك. ومتي ما تم التفريط في ذلك فإن ذلك يقود حتماً لفقدان الفعالية والقدرة على بلوغ الأهداف المرجوة وبلوغ الغايات .. ويعبر ذلك عن غياب الدور الحيوي والضروري للقيادة .
إن الدور الذي يجب أن تقوم به القيادة الإدراية الشرطية يزيد جسامة وخطورة عن دور القيادات في المؤسسات والمنظمات. ولهذا فأن إدارة الشرطة تختلف عن الإدارات المدنية الأخرى .. ويلزمها في ذلك بداية إلتزام الحياد التام .. مع النظرة الكلية لوظيفتها كمؤسسة قومية الأهداف .
وهذا البعد القومي والذي يسعى لبلوغ الغاية الكبرى التي هي ( بسط الأمن ) يجب أن يكون محاطاً دوماً بعوامل هامة .. تجعل القائد الشرطي ذا قدرة على تنفيذ برامجه بتوفير الإمكانات اللازمة وإزالة كل العقبات التي قد تعترض طريقه .. ذلك لأن متطلبات الأمن دائماً تكون ملحه وعاجلة وربما طارئه أحياناً لا تتحمل التأجيل أو النظر والتأني وإتباع الروتين المعروف في دواوين الحكومة مما يتوجب على الإدارة الشرطية الناجحة الإنتباه لذلك وأن تسعى لتذليل كل العقبات. وهذا لا يتأتى إلا بالإدراك الواعي والتقدير السليم .. وإستغلال كل الإمكانات المتاحة .. مع إستغلال طاقة المرؤوسين والتي بفعلها وفضلها يمكن تسخير الإمكانات وإستغلالها الإستغلال الأمثل .. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟
إن ذلك لايمكن أن يتم إلا تحت ظل إدارة أو قيادة مدركة لواجب القيادة أولاً .. ولخصائص القيادة في العمل الشرطي ثانياً .. والأهداف السامية المناط بها تحقيقها وإرتباط الشرطة بالمجتمع تأثراً به وتأثيراً فيه حفاظاً على أمنه وعزته وكرامته ثالثاً .
روح القيادة الشرطية:
إن روح القيادة الشرطية أياً كان مستواها .. من أصغر نقطة .. أو قسم يقوم عليه وعليها قائد .. إلي أعلى المستويات القيادية تتجلى في أمر هام وأساسي يتمثل في:
1ـ القدرة الحقيقية علي تزكية الروح المعنوية ورفعها وسط القوة
ومتى ما تم ذلك بوعي وترشيد فإن ما يتولد من روح معنوية يجعل الأفراد يتخطون حواجز قواهم وقدراتهم الذاتية ويظل إستعدادهم للبذل والعطاء .. قائماً .. لدرجة التضحية بالنفس دون تقاعس أو تردد.
2ـ الإهتمام بالعلاقات الإنسانية
وذلك بأن يكون الاهتمام بأهداف العمل وتحقيقه مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالأهداف الشخصية للقوة ، وتلعب العلاقات الإنسانية دوراً رئيساً في ذلك ، وتسهل من عمل القائد .. لأن صلة القائد بمن هم دونه رتبة أو من يكونون تحت قيادته وإمرته ترتبط بظروف العمل .. ومعلوم أن عمل الشرطة عمل شاق لا تحكمه ساعات أو أوقات معلومة فهو ملح وعاجل وربما طارئ أحيانًا .. ويتطلب التضحية بالوقت والراحة .. وترك الهوايات .. ولن يستطيع القائد الشرطي أن يجد هذا في رجاله مالم يصل معهم في العلاقات الإنسانية إلى حد المعايشة الحقيقية الصادقة بعيداً عن الترفع والتعالي دون أن يمس هذا أو يؤثر على الإنضباط المطلوب والسلوك الواجب من الأفراد تجاه قيادتهم .
3ـ أن يكون القائد مثلاً أعلى في التجرد ونكران الذات
وهناك العديد من الخصائص الأخرى التي تمثل روح القياة .. ولكن هذه قطعاً أهمها وهذه هي الأوتار الحساسة التي متي ما أجاد القائد الشرطي العزف عليها بإتقان فإنه يستطيع أن يأتي بمعزوفه بارعة .. وسيجد أن ذلك خير وسيلة لتحقيق الإنضباط في أعلى مستوياته وأنجح صوره ..
ويضفي بذلك القائد على مرؤوسيه روحاً قد تصل إلي حد التقديس والولاء التام .. للقائد والمنظمة .. تجعل الإندفاع نحو تحقيق الأهداف سهلاً .. دون أن يأبه أحد أو يهتم بالمخاطر لأن ذلك يرتبط بقيم سامية ورفيعة ممثلة ومتمثلة في بلوغ الغايات حتى لو أدى ذلك .. للفداء … والإستشهاد إيماناً بالمبادئ التي غرسها القائد الناجح .
المراجع:
- مؤتمر قادة الشرطة العرب الثاني، المملكة الاردنية الهاشمية، 1974.
- د. مهر عساف ، أصول الإدارة، 1976م.
- د. مدني علاش، الإدارة دراسة تحليلية للوظائف والقرارات الإدارية، 1401ه.
- د. نواف كنعان، القيادة الإدارية ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، بيروت، 2002م.