الرائد علي بن خلفان الهنائي
أستاذ القانون الجزائي المساعد
توفر الحس الأمني في رجل الشرطة ضرورة بالغة الأهمية باعتباره من الوسائل التي تسهم في توقع ارتكاب الجريمة والتعرف على مرتكبيها، وفي الوقت الذي يحاول المجرمون توظيف الإمكانات المادية والتقنيات العلمية والتقدم العلمي ومخترعاته في سبيل ارتكاب جرائمهم، والإفلات من قبضة العدالة , أصبح الأمر يحتم زيادة الاهتمام ببناء وتنمية الحس الأمني لدى رجل الشرطة كونه أحد الوسائل الهامة التي تساعد على المواجهة بمنع وقوع الجريمة والقبض على مرتكبيها حال وقوعها ، والتنبؤ بالمواقف الأمنية المختلفة والسيطرة عليها.
أولًا : تعريف الحس الأمني
الحس الامني هو صفة خاصة من صفات الشخصية التي تمكن من يمتلكها من التعرف على الاشياء وادراكها والتمييز بينها ومن ثم تفسيرها تفسيرا صحيحا ، ويتوقع لها توقعا صحيحا لكل الاحتمالات وتمكنه من الاستشعار بالخطر ومعرفة مصادره وبالتالي يتمكن من مواجهة هذا الخطر أو البحث فيه أكثر بالأساليب المناسبة قبل وقوعه أو تكون لديه امكانيات التهيؤ لمواجهته فور وقوعه ، ومن هنا فإنه تم تعريف الحس الأمني لدى رجل الشرطة على أنه مهارة من المهارات التي يمتلكها رجل الشرطة تنطلق من الإحساس بالمسئوليّة والخبرة نحو استشعار مظاهر معينة يكون من شأنها الإخلال بالأمن بمفهومه الشامل.
ثانيًا: أهمية وعوامل بناء الحس الأمني
يُعد الحس الأمني من أهم الوسائل التي تمد رجل الشرطة بالمعلومات اللازمة لمنع وقوع الجريمة أو ضبط مرتكبيها عند حدوثها , ويؤدي التخلي عنه أو التنكر لفائدته إلى حرمان العمل الأمني من أهم الوسائل المساعدة لرجل الشرطة ، وبالتالي الفشل في الوصول إلى المجرمين في الجرائم التي ترتكب ، والتي لا ينتج عنها أدلة دامغة على الإدانة ، مما يؤدي لكثرة الجرائم المقيدة ضد مجهول ، والذي يؤثر بدوره على سمعة الأجهزة الأمنية وكفاءتها.
كما تبرز أهمية الحس الأمني في أنه يزيد قدرة رجل الشرطة على الإبداع والابتكار في العمل الأمني ويساعد في التوصل إلى نتائج إيجابية والسيطرة على المواقف الأمنية ويؤدي إلى التنبؤ والتوقع للمخاطرالأمنية قبل وقوعها وكشف غموض الجرائم بعد وقوعها.
ومن أهمية الحس الأمني أنه يزيد من قدرة رجل الشرطة على فهم الأشياء بشكل صحيح ويساعد في إدراك الأمور التي قد لا تكون لها دلالة مباشرة ، كما يزيد من قدرته على استغلال الفرص المتاحة في المواجهة الأمنية.
ومما تقدم تبين أن أهمية الحس الأمني تنبع من كونه يهدف إلى:ـ
-
الكشف عن مصدر الخطر الجرمي قبل وقوعه ، أو على الأقل ضبط مرتكبيه.
-
الوصول إلى أدلـة تؤيـد أي إجراء يَقْدِم عليه رجل الشرطة.
-
عوامل بناء الحس الأمني:
عوامل بناء الحس الأمني لدى رجل الشرطة تنقسم إلى ما يلي:-
- العوامل الخارجية: وهي العوامل التي تساعد على بناء الحس الأمني الناتجة عن الظروف المحيطة بالعمل ، وأهمها ما يأتي:-
- كثرة المواقف الأمنية التي يتعرض لها رجل الشرطة.
- غموض وتنوع الأحداث التي يتعرض لها رجل الشرطة.
- إحساس رجل الشرطة بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقة ، وضرورة الوصول إلى نتائج إيجابية.
- انفراد رجل الشرطة في مواجهة عمل إجرامي خطير.
هـ . ضعف وقلة الأدلة الكافية.
- العوامل الذاتية: وهي العوامل التي تساعد على بناء الحس الأمني، ويكون مصدرها شخصية رجل الشرطة.
- سلامة وسائل الإدراك المباشر مثل الحواس الخمس ، وغير المباشر كالحاسة السادسة من خلال توظيف العقل.
- الرغبة في الاعتماد على الحس الأمني ، واللجوء إليه والاستفادة منه.
- التكامل بين الحس باعتباره ميزة شعورية ، والفهم والتفكير باعتباره ميزة منطقية عقلية من جانب آخر.
- إحساس رجل الشرطة بالمسؤولية والشعور الذاتي بأهمية الحس الأمني واقتناعه بجدواه والرغبة الذاتية في امتلاكه.
ثالثًا : خصائص الحس الأمني:
يتميز الحس الأمني بالعديد من الخصائص من أهمها ما يلي:
1. الحس الأمني عملية مزدوجـة حيث يجمع بين العناصر ذات الطبيعة الذاتية والموضوعية في آن واحد ، مما يميز الحس الأمني عن وسائل الإحساس الوجداني المجردة كالحدس والتخمين ، وكذلك يميزه عن وسائل الإدراك المجردة كالتفكير والتحليل والإحصاء.
- الحس الأمني توقع وتنبؤ بخطر إجرامي وشيك أو مستقبلي , حيث يتميز بقدرته على جعل الإنسان يتوقع العمل الإجرامي ، والتنبؤ بحدوثه ، ومن ثم يتخذ الإجراءات التي تكفل منع وقوعه ، أو على الأقل الحيلولة دون استعجال أثاره، أو الإسراع في ضبط مرتكبيه ، لذلك فإن الحس الأمني يتكفل باستشعار الأخطار المحتملة, وترجيح حجمها ومداها مما يمكن من سرعة وضع الخطة الأمنية الكفيلة بإجهاض أي مخطط إجرامي أو مواجهته فور وقوعه .
3. الحس الأمني يهدف إلى مواجهة خطر إجرامي وذلك بمنع حدوثه أو بضبط الجناة والتقليل من ضرره بعد وقوعه.
- الحس الأمني صفة من صفات الشخصية قد لا تتوافر لدى العامة ، بل هو ملكة يمتلكها البعض وهو ليس شيئاً موروثاً بقدر ما هو ميزة وصفة تكتسب بالتربية والخبرة والمِران والتعليم.
- يرتبط الحس الأمني بالإدراك الحسي الصحيح ولهذا فهو يستوجب سلامة الحواس لدى رجل الشرطة.
- يرتبط الحس الأمني بالمعارف الشرطية المتخصصة والثقافة العامة.
رابعًا: أهداف وضوابط الحس الأمني
إن للحس الأمني لدى رجال الشرطة عدة أهداف من أهمها المحافظة على النظام والأمن العام والآداب وحماية الأرواح والأموال والأعراض وكفالة الطمأنينة والسكينة في كافة المجالات ، والعمل على منع ارتكاب الجرائم وضبط ما يقع منها ، واتخاذ اجراءات التحري وجمع الاستدلالات وحماية حقوق الإنسان في إطار الثوابت ، وذلك بتكريس سيادة النظام والقانون والعدالة ، والكشف عن مصادر الخطر الإجرامي وهو ما زال في مهده لم يرَ النور، والكشف عن الأشخاص الذين يُعدون العُدة للنيل من الأمن والاستقرار ومن أمثلة ذلك: ثلاثة أشخاص في ساعة متأخرة من الليل أحدهم يقف على منحنى شارع والآخران يقفان ويتحدثان في حالة مرور سيارة ما ، أو استشعار رجل الشرطة للخطر من محاولة شخص الاقتراب من أحد الشخصيات الهامة أو منشأة مهمة ، وعدم انصياعه للتحذير الصادر من رجل الشرطة بالتوقف أو الابتعاد ، فهنا يستشعر رجل الشرطة بالخطر مما يستلزم التدخل لاستجلاء الأمر واحتوائه ، وهذا يعني أن هناك ترابط وثيق بين المظاهر الخارجية للخطر وبين الحس الأمني ، ترابطاً يقبله العقل والواقع إذ لا وجود للحس الأمني دون استشعار الخطر.
ومن أهداف الحس الأمني قراءة مؤشرات الخطر الاجرامي ، وبالتالي فإن استخدام رجل الشرطة لحسه الأمني في وقت قصير من شأنه أن يكشف عن الجرائم قبل وقوعها ، بحيث يتم الانتقال ذهنياً من مرحلة الحس الأمني إلى دائرة الاشتباه الأمني الذي مصدره دلائل عديدة تُخول اتخاذ اجراءات التحري وجمع الأدلة التي تؤيد أو تنفي الاتهام .
ضوابط ممارسة الحس الأمني:
عند ممارسة الحس الأمني لابـُد من توافر ضوابط له لدى رجل الشرطة ، وتنقسم تلك الضوابط إلى الآتي:-
- الضوابط القانونية: ويقصد بها مجموعة القواعد التي تحدد إطار ذلك الحس ، وتوضح النطاق الذي يمكن لرجل الشرطة العمل فيه ، والتي غالباً ما يكون مصدرها قانون الإجراءات الجزائية وقانون الشرطة واللوائح والقرارات والتعليمات المنظمة للعمل الشُرطي ، وأهم الضوابط القانونية هي توفر الدلائل الكافية باعتبارها المظهر الدال على الخطورة الإجرامية ، أو المبرر للإشتباه مما يعني أنها تعد بمثابة المحرك للحس الأمني ، إلا أنه في بعض الحالات قد نجد رجل الشرطة بتوجيه من حسه الأمني الصادق والعميق يستشعر الخطورة الإجرامية دون وجود أية دلائل تشير إليها ، وهذا يعد حالة خاصة تتوافر لدى بعض رجال الشرطة المتميزين في إحساسهم والنابهين في مشاعرهم والموهوبين في نظراتهم.
- الضوابط غير القانونية: وهي مجموعة القيم والمبادئ والقواعد المستمدة من النظام القانوني العام في المجتمع والناتجة عن المصادر غير المكتوبة وكذلك الآداب العامة والعرف السائد في المجتمع.
المراجع:
- د. أحمد عبدالله محمد السعيد ، الحس الأمني ، مجلة الأمن والقانون ، دبي ، كلية شرطة دبي ، 1998 .
- د. أحمد ضياء الدين خليل ، الحس الأمني ودورة في نجاح المواجهة الأمنية ، القاهرة ، كلية الشرطة ، 1997 .
- د. أشرف السعيد أحمد ، مفهوم وأهمية الحس الأمني والوسائل الممكنة لتفعيله لدى الجمهور ، بحث غير منشور .
- تركي بن عبدالرحمن المويشير ، أهمية الحس الأمني لدى ضابط الأمن ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربيىة للعلوم الأمنية ، 2004 .
- د. علي بن فايز الجحني ، الحس الأمني ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، 2007م .
- د. مالك هاني خريسات ، الحس الأمني لضباط الأمن ، بحث غير منشور .