النقيب أحمد بن عامر المحرزي
قسم العلاقات العامة بالأكاديمية
عرف المجتمع العماني منذ القدم بمدى تمسكه بالقيم الإنسانية الفاضلة , وذلك ما سهل على أبناء هذا المجتمع من نشر الإسلام في مختلف الامصار، كما أن تلك القيم جعلت من العمانيين محلّ إشادة واحترام كلّ من تعامل معهم وذلك لما يميزهم من صدق وكرم وحسن الأخلاق واحترام الآخرين, وقد تناقلت الاجيال العمانية تلك المنظومة الأخلاقية عبر مختلف السنين وساعدها في ذلك وجود المراكز التي ساعدت على تأصيلها في أنفس الناشئة, وتمثلت تلك المراكز في المجالس العمانية وهي الاماكن التي تغرس في جنباتها القيم الرفيعة والأخلاق الحميدة.
ويعد العمل الشرطي من الأعمال المهمة التي تستدعي استحضاراً للقيم والاخلاق الرفيعة على طاولة العمل, كون الأمانة التي يحملها رجال الشرطة هي أمانة كبيرة و مسئولية عظيمة, لأنها التجسيد الحي لسلطة المجتمع اللازمة للدفاع عن نفسه ضد العابثين بأمنه ، و هي أيضا المراقب للسلوك العام , ولن تستطيع الشرطة حمل هذه الأمانة بشكل جيد إلا إذا تحلت بالقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة.
كما أن تأصيل منظومة القيم في أنفس منتسبي جهاز الشرطة يهيئ للوطن جو من الاستقرار يساعده على زيادة التقدم والازدهار، وايضا سيؤدي ذلك إلى الارتقاء بمستوى كافة الإدارات والتشكيلات الشرطية.
ومن الأهمية بمكان ان يهتم رجال الشرطة بسمعته لكون ما يقوم به هو رسالة مقدسة وليس مجرد وظيفة ، ولهذا السبب فإن رجل الشرطة يجب أن يتحلى بأخلاق سامية و أن يعامل الناس بإحسان و أن يكون مثال يحتذى في مكارم الأخلاق فهو بذلك يؤثر على باقي أبناء المجتمع نظرا لاحتكاكه المتواصل مع الجمهور, وفي هذا السياق نذكر بعض القيم الفاضلة التي لا بد أن يجعلها رجل الشرطة عنوانا له أثناء تأديته لواجباته الوظيفية وتلازمه ايضا في حياته الخاصة والتي من بينها:
- الولاء: إن الولاء للوطن هو ولاء مطلق بلا حدود, كما أن الولاء للوطن هو تأكيد الانتماء وتعميق الارتباط بكل ما يرمز إليه الوطن من قيم ومبادئ وخصوصيات ونظم وقوانين وأمجاد تاريخية، ولذلك فأن الولاء لدى رجل الشرطة يحتم عليه التخلص من أية انتماءات طائفية أو قبلية بالشكل الذي يجعل ولاءه خالصا للوطن وجلالة السلطان المعظم دون الاكتراث بمفردات أو ظواهر دخيلة على مجتمعنا العماني الأصيل الذي حافظ على وحدته واستقراره على مدى عقودا طويلة ساهمت في رقيه وازدهاره ليكون في مصاف الدول المتقدمة في شتى الميادين العلمية والثقافية والاجتماعية وحتى في ميادين حريات الأفراد وحماية حقوقهم التي حظيت بجل عناية واهتمام قيادته الحكيمة.
- التضحية: إن اكثر ما تعتز به الأوطان دوما وفي كل الظروف هو تضحيات أبنائها سواء للدفاع عنها وصون حرمة أراضيها والحفاظ على مكتسباتها التي حققتها على امتداد مسيرتها أو لبذل المزيد من الجهد والعطاء من أجل رفعتها في مختلف المجالات, و من مقتضيات التضحية التي يجب على منتسب جهاز شرطة عمان السلطانية القيام بها تسخير وقته على مدار الساعة لخدمة الجهاز و العمل تحت أية ظروف كانت وفي أية منطقة دون أي تردد أو تذمر , إضافة إلى تجنب شخصنة الخدمات التي يقدمها الجهاز مهما كانت الظروف التي يمر بها إذ انه لا يصح أن يساعد أحد المراجعين في تخليص معاملته غير القانونية من أجل أن يقدم له خدمة ما هو بحاجة ماسه إليها.
- الأمانة والإخلاص: الأمانة معناها خلق ثابت يعف به الإنسان عما ليس له به حق, ويؤدي به ما عليه أو لديه من حق لغيره, ويترجم رجل الشرطة معاني الامانة والإخلاص لجهاز الشرطة من خلال المحافظة على أوقات الدوام ، وأداء العمل بدقة وجودة عالية، وتنفيذ تعليمات الرؤساء، وعدم استغلال مركزه الوظيفي لأهداف خاصة، , كما أن واجب أداء الأمانة يقتضي على رجل الشرطة تطبيق مبدأ المساواة في معاملات المواطنين والمقيمين المنتفعين من الخدمات الجلية التي يقدمها الجهاز دون أن يفرد لأحدهم تعامل خاص بسبب أن صاحب المعاملة قريب أو صديق له.
- احترام الآخرين: إن الاحترام هو أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان، ويعبر عنه تجاه كل شيء حوله أو يتعامل معه بكل تقدير وعناية والتزام , ويفرض مبدأ احترام الاخرين على رجل الشرطة العديد من السلوكيات التي منها عدم مخالفة القوانين والأنظمة, فكيف لرجل الشرطة أن يحاسب الآخرين على مخالفتهم للقانون وهو ذاته يخالف الانظمة والقوانين (فاقد الشي لا يعطيه) ,وكذلك التعامل والتعايش مع أبناء المجتمع بذوق سليم وخلق كريم, وأن يتحاشى خلال عمله استعمال العنف مع المواطنين إلا في الحالات التي يبررها القانون وان يعتبر نفسه في جميع الأوقات صديقا للمواطنين مسخراً لخدمتهم.
- الانضباط: يقوم الانضباط على أساس الاحترام والولاء للسلطة القانونية وينشأ من التربية السليمة ويصقل بالتدريب واكتساب العادات النبيلة, ويعد مظهرا أساسيا من مظاهر الحياة العسكرية, تظهر دلائله العامة في رجل الشرطة من خلال النشاط والحيوية في المظهر وفي أداء العمل والنظافة والأناقة في الملبس والأمانة والنظام والبعد عن الفوضى وحسن ترتيب المهمات وأماكن الإقامة وحسن التصرف وسمو الخلق وعفة اللسان واحترام الرؤساء وتنفيذ الأوامر والتعليمات التي يصدرها الرؤساء بنصها وبمضمونها وبكامل الرضا وفي أقصر وقت ممكن.
- السرية المهنية: يجب على رجل الشرطة أن يحافظ على أسرار وظيفته سواء أثناء فترة العمل أو حتى خلال التقاعد أو الاستقالة, فالولاء الوظيفي يجب أن يرافق رجل الشرطة حتى بعد انتهاء خدماته للجهاز, كما يجب عليه أثناء تأديته لوظيفته أن يُظهر احترامه للعادات والقيم الحميدة لهذا المجتمع القائمة على احترام خصوصيات الاخرين وعدم إفشاء أية معلومات قد تسيئ إليهم وبالتالي تسيئ إلى سمعة جهاز الشرطة, كأن يقوم رجل الشرطة بتصوير محضر تحقيق في قضية ما متسببا بذلك في التشهير بأطراف هذه القضية وجلب المتاعب لهم.
- العدل والمساواة: يلخص مفهوم العدل في إعطاء كل ذي حق حقه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، من غير تفرقة بين المستحقين، ومن هذا المنطلق فإنه يتوجب على منتسب جهاز شرطة عمان السلطانية أن يتحلى بكل القيم الحميدة التي تدعوا إلى العدل والمساواة في العمل بين مختلف شرائح المجتمع بغض النظر عن علاقته الشخصية بهم , كما يجب عليه أن يبعد عنه جميع الشبهات التي قد تقدح في أمانته الوظيفية كأن يساعد المتسبب في الضرر بأن يتهرب من قبضة العدالة أو أن يقوم بتغير ادوار المراجعين لتقديم دور أحدهم تربطه به علاقة مسبقة, وغيرها من التصرفات الخاطئة التي لا تتناسب مع ما تفرضه الوظيفة من مساواة وعدالة بين المنتفعين من الخدمات التي يقدمها جهاز الشرطة.
وخلاصة القول أن استحضار جميع القيم الفاضلة على طاولة العمل الشرطي, هو مؤشرا للتقدم والرقي في مسيرة حفظ النظام والسكينة العامة في ربوعي هذا الوطن العزيز, وفي سبيل ذلك لا بد للمعنيين في هذا الجهاز من المساهمة في تأصيل القيم الرفيعة والأخلاق الحميدة في أنفس من هم تحت إدارتهم عبر عدة وسائل منها تنظيم المحاضرات التوعوية والإرشادية, إضافة إلى تطبيق القوانين واللوائح التي تضمن تحقق معاني القيم الرفيعة أثناء تأدية العمل الشرطي.