الدكتورة منى الدالي
مستشارة تدريب اتحاد المدربين
جامعة الدول العربية
هل تتوفر لديك مهارات الاتصال بالآخرين ؟ الاتصال الفعال هو فن يجعلك توصل كل ما تريد وتصل إلى كل ما تريد، وكلما كـان الاتصال قوياً أثر ذلك على وصول المعلومة بشكلٍ فعال، وإن إتقان فن الاتصال كفيل بأن ينقلك إلى صفوف الناجحين والمبدعين، بل إنه عصب العلاقات البشرية الذي يجعل الحيـاة ممتعـة.
تعني المهـارات الإنسانية فن التعامل مع البشر والتعامل مع الناس على قدر عقولهم فهي أولى المهام، وعلى ذلك تتطلب المهارة الإنسانية أن يكون لدى رجل الشرطة المقدرة علـى بنـاء علاقـات طيبة مع الآخرين، وذلك من خلال معرفته بميول واتجاهات الآخرين وفهم مـشاعرهم وتقبل اقتراحاتهم وانتقاداتهم البناءة، فالعلاقات الإنسانية ليست مجرد كلمات طيبة أو ابتـسامات يوزعها الشخص بين الحين والآخر سواء مجاملة أو غير ذلك، بل هي فهم عميق لقدرات وطاقات ودوافع البشر الذين يتعامل معهم ومحاولة استثمار كل هذه الطاقات والإمكانـات ممـا يفـسح المجال أمام من يتعامل معهم للإبداع والابتكار وحسن الانتماء وتحقيق الأهداف المنشودة . ومن هنا يجب على رجل الشرطة أن يحاول جاهداً أن يحد من تأثير النظرة الـسلبية للآخرين، وفي أقل تقدير يحاول أن يبقي هذا الأثر في مستوى بحيث لا يفسد عليه تصرفاته فيقع ضحية للجهل، لذا يجب أن يكون متفتح الذهن والعقل ومتوقد الذكاء متواضعاً يشجع الآخـرين على تحمل المسئولية، لأنه يدرك أن الإنسان قادر على تجاوز تـصوره بالمثـابرة والـشعور بالقيمة الذاتية، و لن تكتمل مقومات الإدارة الناجحة مالم يتم الوقوف على حقيقة دوافع الأفـراد سواء تلك الشعورية أو اللاشعورية وحاجاتهم ومكونات هياكل شخصياتهم الإنسانية واتجاهاتهم النفسية وقدراتهم وميولهم إلى جانب مستوى الذكاء والعمليات العقليـة مـن إدراك وإحـساس وتفكير. ولكي ينجح رجل الشرطة في ممارسة العلاقات الإنسانية فعليه أن يظهر إحساسه تجـاه مشاعر الآخرين وأن يطابق احتياجاته مع احتياجات الجمهور، وأن يتعلم كيف يستمع بانتباه وأن يمسك عن النقد أو التعليقات الساخرة، وأن يساعد الآخرين على أن يشعروا بأهميتهم والاحتياج إليهم.
من أهم المهارات الفرعية المنبثقة من المهارات الإنسانية الواجب توافرها في رجـل الـشرطة هي مهارة التحدث، ومهارة الاستماع و اللتان سنتناولهما بالشرح.
أولا مهارة التحدث:
الاتصال بالناس والتأثير فيهم له أنواع وأساليب متعددة وكلما أجاد الإنسان هذه الأساليب كلما كان أقرب إلى النجاح ، وإيصال الرسالة إما أن يكون بالحديث وإما أن يكون بغير ذلك، ومن هذه العوامل المؤثرة فيه عوامل لفظية وغير لفظية، والعوامل غير اللفظية يكون لها تأثير كبير على الرسالة . وعلى مدار عقدين من الزمن قام العالمMehrabian Albert بتطـوير المعادلـة التاليـة ليظهر المساهمات المرتبطة بالعوامل اللفظية وغير اللفظية على التأثير الكلي للرسالة.
تأثير الرسالة الكلي=07.0 كلمات + 38.0 نغمة صوتية + 55.0 تعبيرات وجه.
والعوامل غير اللفظية الأخرى إلى جانب النغمة الصوتية التي تؤثر على الرسالة اللفظية هي تعبيرات الوجه والإيماءات والجنس والملبس، ومن جهة أخرى يجب الحذر عند الاتـصال بالآخرين عند استخدام العوامل اللفظية وغير اللفظية بحيث لا تقدم رسائل متناقضة، فمـثلاً: إذا كانت كلمات الرسالة تعبر عن موافقة، بينما العوامل غير اللفظية تعبر عن معارضـة تكـون النتيجة غموض الرسالة مما يؤدي إلى إحباط الجهة المقصودة. ويكون تأثير الرسالة الكلية أكثر إقناعاً حينما تتوافق الرسالة المنطوقـة مـع الرسـالة البدنية أو ما يسمى بلغة الجسد، وحينما لا تتوافق، فان المستلم غالبا ما يتأثر أكثر بلغة الجسد، مثل تعبيرات الوجه، طريقة الوقوف، وأي حركات بدنية أخرى، تكون أكثر تأثيراً من الكلمـة، بالإضـافة إلـى أن لغة الجسد أكثر تعبيراً عن المشاعر ويتم تمييزها بسهولة وتذكرها على مدى فترة زمنيـة طويلة، مقارنة بالرسالة المنطوقة التي لا تتوافق مع لغة الجسد.
العوامل اللفظية:
إن الكلام هو أكثر وسائل الاتصال والتأثير شيوعاً وكلما نجح الإنسان في إجـادة فـن الحديث وامتلاك زمام الفصاحة والبلاغة كلما كان أقدر على التأثير في الآخـرين وتـوجيههم الوجهة التي يريدها.
ونحن نستخدم الاتصالات اللفظية في حياتنا اليومية، عندما نتحدث إلى بعضنا البعض، أو نقوم بمناقشة شيء ما، أو المشاركة في أحد الاجتماعات أو إجراء مقابلة مـا، أو التحـدث بالهاتف، ويطلق عليها بعض الناس اسم اتصالات شفوية كونهـا تـصدر عـن طريـق الفـم.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أنه تم اعتماد مهارات الاتصال الشفوي لأنه يحتوي علـى كلمات المتحدثين والتغير في نغمة المتحدث وسرعة الصوت والتي يستخدمها الناس كمفاتيح لفهم الرسائل الشفوية كمعيار رقم واحد في عملية التوظيف للخريجين الجدد، حتى في أوروبا فـإن المشغلين يشكون من نقص في مهارات الاتصال لدى الخريجين الجدد، و يعـزى هـذا الـنقص لعوامل ثقافية وتغيرات في العملية التعليمية وتعتبر مهارة التحدث إلى الجمهور من المهارات المهمة جداً ، وقد تكون في كثير مـن الأحيان ضرورية ومطلوبة لتقديم المعلومات والأفكار لمجموعة من الناس، ولكن أكثر النـاس يخافون من التحدث أمام الجمهور ، و في واقع الأمر، كما أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلـى أنهم يخشونه أكثر من الموت نفسه ، ومن المهم أثناء الحوار مع الجمهور التواصـل البـصري والذي يعتبر هو صديق التعارف والذي يعبر عما هو في داخل القلوب.
وهل كانت معجزة القرآن الكريم التي خضعت لها رقاب العرب إلا في بلاغته وفصاحته في المقام الأول مع صور الإعجاز الأخرى؟ ولقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الذروة في ذلك حتى بلغ تأثيره أعلى الدرجات وأرقى المقامات ولقد أعطي مجامع الكلم.
العوامل غير اللفظية:
بما أن الكلام وسيلة للتعبير وإيصال الرسالة للآخرين فهناك وسائل أخرى قادرة علـى تبليغ رسالتك لغيرك أو رسالة غيرك إليك، وقد تكون هذه الوسائل أدق وأصدق في التعبير من الكلام، لأن الكلام يمكن أن يكون خلاف الواقع أما غيره فقد لا يستطيع الإنسان أن يكذب فيه . والكثير من الناس يغفلون عن اللغة التي يرسلها الجسد، وتكاد تصبح كلماتهم غير ذات علاقة مع تعبيرات جسدهم، فلغة الجسد تعتبر مؤثرة وقوية جداً ، وتشير الدراسات إلـى أن مـا يقرب من 90 بال مائة من الكيفية التيٍ ينظر إلينا بها من قبل الآخرين ترتبط ارتباطاً مباشراً بلغة الجسد في مقابل ما نقوله في الواقع وقد قال العرب قديماً ((رب إشارة أبلغ من عبارة )) والتعبير قد يكون بـالعيون، وقـد يكون باليدين، وقد يكون بقسمات الوجه، و قد يكون بحركات الكفين أو الرجلين أو الرأس بل قد يكو التعبير عن حالتك النفسية من خلال لباسك.
١- التواصل البصري:
التواصل البصري الجيد هو أحد أهم إشارات الجسد، فليس ثمة عضو آخـر يمكـن أن يعبر عن صدقك وإخلاصك وثقتك بنفسك أكثر من العينين، فمن أول وهلة تلتقي بها بـالآخرين لابد أن تحافظ على تواصلك البصري معهم وفي كل مرة تشرع في توضيح نقطة هامة، انظـر للأخر في عينيه مباشرة.
اجعل الابتسامة رسولك إلى قلوب الآخرين فهي مفتاح لأبواب النفوس كما أنها تجلـب الراحة والهدوء للمبتسم نفسه و كما قال الرسول عليه الصلاة و السلام: ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة (كمـا ورد فـي سنن الترمذي برقم 1879 ،كتاب البر والصلة / باب صنائع المعروف
٢- الإيماءات الإشارات:
تشمل لغة الإشارات والإيماءات أنواع الحركات والإيماءات التي يؤديها الفرد لتوصـيل معنى معيناً ، سواء كانت هذه الإشارات والإيماءات إرادية، يتحكم الفرد فيها، ويرسـلها بقـصد توصيل معنى معين، أم كانت لا إرادية، تحدث عشوائياً ، أثناء الاتصال من اجل إتمـام اللغـة اللفظية وتوصيلها بشكل أكثر تأثيراً ، أم كانت هذه الإشارات بديلاً عن اللغة، كما هو الحال فـي لغة الصم، أم كانت مكملة للغة، وذلك حين نستخدم اللغة اللفظية وندعمها بالإشارة أو الإيمـاءة لتوصيل معناها.
فإن حركات اليدين والقدمين وحركات الكتفين وكيفية الجلوس أو المشي تعبر عما في نفس الإنسان وتعطي تقريراً دقيقاً عن حالته النفسية.
٣- المظهر العام:
تعبر الملابس عن شخصية الفرد فهي تتحدث عنه، و إن كان حديثها صامتاً ، فملابـسنا ترسل رسائل غير لفظية عديدة للآخرين تعبر بها عن شخصيتنا، فالزي الذي نرتديـه هـو أول ما يعرف الآخرين بنا، ولذلك يراعى قضاء الوقت المناسب في اختيار الملبس والعناية به وبالأحرى تنمية المهارات المرتبطة بالاختيار الجيد للملبس وطرق العناية به من أجل أن تعبر عنا تعبيراً سليماً يجعلنا نتفاعل تفاعلاً جيد اً مع ا لآخرين، و بعض الأفراد لديهم مفاهيم خاطئة حول الملبس، منهم من يعتبر أن الاهتمام بالملبس مضيعة للوقت والمال، ويعتقد بان جدية الشخص وتفانيه في عمله أهم من اهتماماته بمظهره وهندامه، وهذا اعتقاد غير سليم، إذ أن أول ما يقع عليه أعين الآخرين عندما نلتقي بهم هو مظهرنا الشخصي وما نرتديه من ملابس، ويتأثر تفاعلنا مع الآخرين بالذات ممن نقابلهم لأول مرة بمظهرنا الشخصي.
مهارة الاستماع:
هناك فر ق بين السمع والاستماع، فالسمع يتعلق بوظيفـة الأذن فـي تلقـي المثيـرات الصوتية، أما الاستماع فيتعلق بمدى انتباه الفرد إلى المعاني المتضمنة فيمـا يقولـه المرسـل، ويطلق أحيانا على عملية الاستماع بالإنصات . ويقال إن الإنسان يسمع ما يقرب من 50 %من وقته، والباقي ينفق في الكتابة والتحدث، كما يستطيع العقل البشري التفكير في 600 كلمة في الدقيقة، ويستمع إلى 300 كلمة في الدقيقة، وأن ينطق 125 كلمة في الدقيقة، و أن هذا دليل واضح على أن قدرة السمع تفوق قدرات الكتابة والتحدث والقراءة.
والاستماع إلى الآخرين يكون بفهم وأدب واحترام وعدم مقاطعتهم، واستيعاب الرسـائل التي يعبرون عنها بطريقة لفظية وغير لفظية، يقول تعالى مؤكـداً أهميـة الإنـصات للفهـم والاستيعاب والتذكر في سورة الأعراف “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” (204)
وتشير الدراسات أن 75 %من العلاقات الإنسانية يمكن بناؤها عن طريق مهارة الإنصات الجيد، كما تقول أننا نستعمل فقط 25 %من قدراتنا في الإنصات ، حيث يعتبر إصغاء رجل الشرطة للآخرين من أهم مقومات الاتصال الفعال، إذ يستطيع رجل الشرطة مـن خـلال الإصغاء أن يتعرف على ما يريد الآخرون قوله، ويكون لدى رجل الشرطة الفرصـة للتعبيـر الكامل عن نفسه، إضافة إلى أن إصغاء رجل الشرطة للآخرين يضمن فعالية القـرارات التـي يتخذها لأنها قد تبنى على معلومات تنقل إليه من خلال الحديث الشفوي
والمستمع الفعال ملتزم ذهنياً وجسدياً بعملية الاستماع، ويمارس رقابـة واعيـة علـى أنشطته السماعية، بحيث يركز على كامل الرسالة المستلمة، ويزاول المستمع الفعال اهتمـام متحمس بشأن التفسيرات المختلفة ونقاط الاتفاق والاختلاف وردود الفعل حتى نهاية الرسـالة، وكذلك يرسل رسائل قوية إلى الطرف الآخر من خلال عملية الاتصال تنم عن الاحترام والتقدير العاليين والاهتمام الكبير بالمرسل.
ويعتبر الإنصات الجيد حجر الأساس في عملية تبادل المعلومات أثناء عملية الاتـصال، والإنصات الجيد للآخرين يجعلك تتعلم منهم وتتفاعل معهم وترد بشكل جيد على مـا تـسمعه، وعملية الإنصات تتطلب قدراً كبيراً من ضبط النفس وإيلاء الاهتمام للآخرين، ويساعد حسن الاستماع وإجادة الإصغاء على نجاح عملية الاتصال، وفهـم المـستقبل للفكرة وفق ما يقصده المرسل، ويعتبر الإصغاء الجيد من الـسلوكيات الاجتماعيـة الحميـدة، وتحقيق الإصغاء الجيد هو مسئولية مشتركة بين المتحدث والمستمع، فعلى المتحـدث أن يبـين بوضوح وجهة نظره وأهدافه.
استعمال سياسة الإفساح:
وهي إعطاء المتحدث الفسحة المناسبة بتوفير الاحترام والاهتمـام وردود الفعل المناسبة وبإزالة العوائق والحواجز وعدم القفز إلى تعميمات ناقصة أو انطباعـات سريعة قبل إعطائه الفرصة الكاملة في الحديث واستيعاب الرسالة التي يرغب في توصيلها.
استعمال لغة الإشارة المناسبة:
وذلك بالابتسامة وبالنظر إلى عيني المتحدث وتحريك الرأس بالموافقة، والتشجيع على مواصلة الحديث، واستعمال الجلسة الملائمة التـي تـشعر المتحـدث بالراحة والهدوء، وخفض الصوت، وتوجيه الأسئلة المناسبة التي تجعل المتحدث يعبر عن نفسه … لماذا …. كيف ؟ ….. ما رأيك ؟ …. ما ردود فعلك تجاه ؟
استعمال سياسة استيعاب الآخرين:
وذلك بتوفير الاحترام اللازم والإصغاء الجيد والـردود الملائمة، وبذلك يتمكن الشخص من تشتيت قدرة الآخرين أو رغبتهم في المعارضة ويجعلهم في موقف أقرب إلى الإقناع بوجهة نظره والتأثر بما يقول، أو على الأقل لزوم جانب الحياد .
عند الاستماع اتبع ما يلي:
- استخدم تعبيرات الوجه وإيماءات الجسم وحركات اليدين.
- أشعر من أمامك بالارتياح.
- زد من تركيزك أثناء الاستماع .
- تجنب الاستعجال أو المقاطعة لحديث المتكلم، ولو كان حديثه يخالف الصواب .
- اجعل نفسك مع المتحدث وليس ضده .
- كن هادئًا واخفض صوتك وكن لين الجانب.