الدكتور محمود أحمد العطا
أستاذ مساعد بكلية الشرطة
مدخل أول:
إن هوية الإنسان تتحدد بثلاثة أبعاد رئيسية متداخلة ومتكاملة، هي الولاء والانتماء، والاعتزاز بالأمة فكراً وتراثاً وحضارة وهذه لن تتحقق إلاّ بتوافر ركائزها الاساسية وهي الحرية والعدالة والمساواة.
مدخل ثاني:
هوية أي أمة يشكلها جماع عوامل التاريخ والجغرافيا والثقافة صلات الدم، ولا شك أن لموضوع الهوية أهميته البالغة في الشأن الاجتماعي، إذ أن الإنسان مفطور على التمسك بانتمائه والاعتزاز به، سواء كان ذلك لقومية، أو تاريخ، أو عقيدة دينية، وما في حكم ذلك من الأواصر التي تربط بين البشر .
مدخل ثالث:
نظرية الصفاء العرفي في بناء الهويات الجماعية للشعوب لم تنجب على مستوى التجربة الانسانية المعاصرة سوى الأيدولوجيات الفالشيستية، مثل النازية أو الصهيونية، التي قامت على نظرية الصفاء العرقي والعرق الواحد، وهو عامل أدى إلى تأجيج الصراعات بين الشعوب وإثارة الحروب الكونية والاقليمية.
لقد أنتجت أطروحات الفكر في مختلف الأوساط الاجتماعية وفي العديد من دول العالم، أنتجت العديد من الرؤى الفكرية حول المواطنة المفهوم والمبادئ والحقوق والواجبات، وتنوعت هذه الرؤى بتنوع مبادئ الفكر والنظريات التي انطلقت منها، ولعلنا نتفق على أن ما آلت إليه الأوضاع في العالم مؤخراً يعود في جانب كبير منه إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات التي حملت في طياتها أوهاماً طوباوية وثقافية وسياسية، كان لها الأثر السلبي في بلورة الهوية، كما جعل لموضوع المواطنة بعداً استراتيجياً هاماً لا يمكن تجاوزه لتحقيق أمن المجتمعات الإنسانية .
تعدد وتنوع منطلقات مبادئ الفكر المرتبط بالمواطنة، كان سبباً في تعدد وتنوع مفاهيم وأطر المواطنة، فالمواطنة في الفكر الاشتراكي تختلف عن ذلك المنظور الذي يراه الليبراليون أو الذي ينظر به الديمقراطيون للمواطنة، كما أن منظور المواطنة يختلف عند فلاسفة الاقتصاد عن ما ينظر به فلاسفة السياسة أو فلاسفة الاجتماع أو علماء النفس وغيرهم، بل هناك العديد من وجهات النظر أطلقها ذوو الفكر وأصحاب الرأي حول المواطنة ومفاهيمها، منهم نشطاء حقوق الإنسان، ومنهم المستقبليون، والاقتصاديون، والتنمويون وغيرهم، كل منهم يرى المواطنة من منظوره الفكري .
من وجهة نظرنا نرى أن المواطنة ينبغي أن ترتكز على ثلاثة محاور أساسية هي:-
المواطنة في البعد الديني والعقائدي، وتعني أن مستقبل الاستقرار المجتمعي والتنمية، يبقى رهين تكريس حوار بين الحضارات والثقافات والاديان، وتكريس التفاهم والتسامح بين كافة المجتمعات، الأمر الذي يجعل من المواطنة فكراً لبناء الذات وحماية الوجود وصيانة الفكر والعقيدة، وليس من خطر خارجي فحسب، بل من تهديد داخلي قوامه تباين في الأفكار والعقائد، بعضها أنفصل عن هويته وأبتعد عن قيم مجتمعه وتنكر لأصالته وبعضها متطرف .
المواطنة في البعد الحضاري النهضوي، حيث أنه كلما توفرت أسباب الرقى الاقتصادي ، والتنمية الشاملة لكل شرائح المجتمع، كلما تدعمت أسس المواطنة، لا سيما وإننا نعيش اليوم عالم ينفجر كالبراكين اقتصادياً واجتماعياً ، وفكرياً وثقافياً ، وسياسياً بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية .
ج – المواطنة في البعد السياسي ، ويعني ذلك ضرورة توافر الحريات والممارسة الشورية، كشرط اساسي لإطلاق فكر المواطنة البناء المبدع من خلال ممارسة حماية الرأي والتعبير .
هذه الأبعاد والاتجاهات تتداخل وتتكامل فيما بينها، لتساعد على وضع رؤية لاستراتيجية شاملة لموضوع المواطنة والهوية، وهو ما ننشده لمجتمعاتنا ، التي هي اليوم في حاجة ماسة لبلورة فكر مواطنة يلائم البعدين الكوني العالمي والخصوصي، ويعزز أداء الذات وحضورها في التفاعل الايجابي مع الحضارة الكونية ، وفي اجترار التاريخ وصناعة المستقبل .
مفهوم المواطنة Citizenship:
ويستخدم مفهوم المواطنة على نطاق واسع، باعتباره مفهوماً عالمياً، وقد تناوله بعض الفقهاء من منظور اصطلاحي وأجرائي فالمواطنة في اللغة تعني الانتساب إلى وطن ، وهو مكان اقامة الإنسان ومحل ولادته الذي نشأ عليه وبسمائه أستظل وعلى أرضه درج . والمواطنة أيضاً تعني العاطفة القوية والرابطة الروحية التي يحس بها المواطن نحو وطنه .
والمواطنة اصطلاحاً كما عرفتها الموسوعة العربية العالمية للمواطنة، بأنها الانتماء إلى أمة أو وطن، وعرفتها دائرة المعارف البريطانية بأنها علاقة بين فرد ودولة وما بينهما من حقوق وواجبات .
ويمكننا أن نستنبط تعريفاً للمواطنة بأنها تحديد لمقياس المواطنة ودرجة الوعي بها من خلال شعور الفرد بالانتماء إلى الجماعة اجتماعياً ، وثقافياً، وعقائدياً من خلال تنظيم الحقوق والواجبات بين الفرد والمواطن والمجتمع والدولة .
يرى البعض أن هناك أنواع للمواطنة منها :-
المواطنة الايكولوجية أو البيئية وهي التي تتعلق بحقوق والتزامات مواطن الأرض .
مواطنة الأقليات : وهي تتضمن حقوق الدخول في مجتمع ما والبقاء فيه .
المواطنة المتحركة : وهي تعنى بالحقوق والمسؤوليات للزوار لأماكن وثقافات أخرى .
الهويـــة : Identity :-
الهوية في أبسط معانيها هي احساس الفرد بذاته، وأنه مشابه لنفسه في هذا امكان وفي الزمان الحاضر والماضي والمستقبل . وقد أشار علم الاجتماع الحديث أن المحددات الرئيسية لهوية أي مجموعة بشرية ترتبط بالثقافة والدين والأرض والدولة، باعتبار أن تجانس تلك المحددات هو العامل المحوري في تحديد الملامح الأساسية للهوية .
فالهوية الحضارية إنما تعني السمات والاتجاهات التي تميز مجتمعاً عن غيره من المجتمعات، فهي مجموعة متماثلة من الأنماط الثقافية والعقائدية، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، والقوانين المنظمة للحراك الفكري والأنشطة العلمية والتفاعلية والتي تحقق التحول المستمر للمجتمع إيجاباً .
تتمثل أبعاد الهوية في بعدين أساسيين هما: – ([1])
بعد محتوى الهوية، ويعني الخصائص المحددة للهوية والتي يتصف من خلالها أي فرد بذاته ونشاطه .
بعد قيمة الهوية، ويعني وجود بعد خاص لكل عنصر من العناصر المكونة للهوية، له قيمة وتمنح هذه القيمة وفقاً للمعتقدات والقيم الاجتماعية عبء التفاعل مع الآخرين .
تتمثل مبادئ الهوية في: –
التفرد والتميز، بمعنى أن يكون للفرد رغبة في التميز عن الآخرين في خصائصه وأفعاله .
الاستمرارية عبر الزمن، ويعني الاستقرار في تصورات الفرد عن ذاته وعن الآخرين .
ج- الجدارة الشخصية والقيمة الاجتماعية، وتعني مدى تقدير المرء لنفسه وذاته وإدراكه لأهميته مقيمه الذاتية الاجتماعية .
اختلاف المواطنة عن الهوية:
من خلال ما ذكر يمكننا أن نستنبط فرقاً بين المواطنة والهوية باعتبار أن المواطنة هي انتساب لجغرافية ( أرض ) بينما الهوية هي انتساب لثقافة ( معتقدات وقيم ومعايير اجتماعية).
اختلاف المواطنة عن الجنسية:
عادة ما ينظر إلى المواطنة والجنسية باعتبارها مصطلحان مترادفان بمعنى الانتساب إلى جغرافيا وإلى عرق، إلا أن الجنسية تتضمن حقوقاً أخرى مثل الحماية خارج البلد .
المواطنة والوطنية:
أشار ( الشريدة 2005)([2]) إلى أن الوطنية هي الإطار الفكري النظري للمواطنة، بمعنى أن الوطنية عملية فكرية والمواطنة ممارسة عملية .
نخلص إلى أن للمواطنة قيم، وتعني في أبسط معانيها مجموعة من الاحكام والمثل العليا ومحددات السلوك في التعامل بين الفرد والدولة والمجتمع والتي تنعكس آثارها على الحقوق والواجبات، لا سيما وأن القيم تعني الأنموذج السامي في الفكر والسلوك وتعني احترام مقدسات الوطن، والتعامل مع قضاياه بإيجابية، مع التحلي بالسلوك الرشيد والتفاني في واجب الأوطان في اطار الاندماج الاجتماعي .
[1] – اسماعيل ابراهيم / الشياب بين التطرف والانحراف / الدار العربية للكتاب / القاهرة .
[2] خالد عبدالعزيز الشريدة/ صناعة المواطنة في عالم متغير-رؤية اجتماعية / ورقة عمل مؤتمر قادة العمل التربوي / وزارة التربية والتعليم/السعودية 2005