الرائد خليفة بن سعيد العميري
رئيس قسم العلاقات العامة
أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة
هناك فارق جوهري هام بين مفهوم (التعليم) ومفهوم (التدريب) على اعتبار أن التعليم هو إكساب المتعلم حصيلة من المعلومات والمعارف من مصدر خارجي بينما يتم التدريب باستخراج ما في داخل الذات بتنمية القدرات والمهارات لتظهر آثارها وأفعالها على أنشطة الإنسان فيما بعد، ففي الحياة العسكرية مثلاً يتم إعداد الفرد وتأهيله نفسياً وعلمياً وبدنياً وميدانياً للنهوض بمهام العمل الأمني مستقبلاً وفي هذه المرحلة يتم استثمار وتنمية القدرات العقلية والبدنية التي يتمتع بها الفرد وتنظيم الجوانب النفسية والسمات الأخلاقية الكامنة لديه.
ونظراً لأهمية الجانب النفسي والأخلاقي لرجل الشرطة باعتبار أن مهنته من المهن الجليلة التي لا تستقيم بدونها الحياة فإن هناك رابط قوي ومتأصل بين شخصية الشرطي والقيم التربوية والأخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمع بحيث يعكس سلوك رجل الشرطة المبادئ والمثل العليا التي يطمح اليها الجميع (الفرد والمجتمع والدولة).
إن عملية التأهيل والتدريب الشرطي تعد من أهم مراحل الإعداد لمنتسبي الأجهزة الأمنية باعتبارها اللبنة الأساسية التي ستبنى عليها شخصية الفرد وستظهر عليها تصرفاته وسلوكياته ومدى قدرته على تحمل الأعباء والمهام الأمنية في المستقبل، حيث يجب أن تتم عملية بناء الشخصية السوية ذات القيم والمبادئ الفاضلة مبكراً عند انتقاء العناصر التي سيقع عليها عبء حفظ الأمن بحيث تترافق عملية الأعداد لرجل الشرطة مع عملية الاختيار المناسب للفرد التي تتوافر فيه السمات والصفات المتكاملة والتي هي ليست فقط خصائص الحالة الصحية والقدرات البدنية والرياضية والصفات الجسمية وانما بذات الأهمية السمات الشخصية والنفسية والأخلاقية تلك الخصائص المجتمعة والسمات المتناسقة هي التي تكون الشخصية المأمولة لرجل الشرطة سواءً كان ضابطاً أو فرداً، والتي يمكن على أساسها البناء والارتقاء في مرحلة الإعداد والتدريب، وتجدر الإشارة أن أي تهاون في هذه المرحلة سيبدد الجهود والطاقات المبذولة في المراحل التالية.
إن الغاية من التدريب العسكري كما أوردها الدكتور وائل أحمد الكردي والدكتور أبا عقاب النور الدود في مقال بعنوان (أخلاقيات وفقه التعليم والتدريب العسكري للشرطي) ” بناء مجموعة من القدرات المكتسبة أو المطورة بواسطة التهيئة البدنية من خلال اتخاذ عدد من التدابير الشاقة لمدى زمني معين بغرض الارتقاء بشخصية الفرد لتحقيق أهداف وغايات المهنة العسكرية المتمثلة في رفع مستوى الاستعداد الأمني لمنتسبي الشرطة ويجعلها قادرة على تنفيذ مهامها بكفاءة في مختلف الظروف “.
وأن هذه التدابير تتمثل في “الخضوع للمعايشة الصعبة ضمن محيط بيئي معين وممارسة أنماط معينة من الحركات والأوضاع وتمارين القدرة العضلية واللياقة البدنية والتحمل والتوافق العقلي/الجسدي، ومن ثم اجتياز الاختبارات المقررة في ذلك. ومن هنا فإن الشرطة المستجدين لا يلتزمون فقط بتعلم مهارات فنية، بل عليهم أن يخضعوا لنظام دقيق من السلوك الاجتماعي الخاص بهذا المجتمع، وعليهم أيضا أن يتعلموا أدوار ومظاهر السلوك التي تستلزمها الوظيفة التي يتحتم عليهم أن يؤدوها بغض النظر عن تفضيلهم إياها وأيا كانت طبيعة المكافآت والتقديرات التي تقدمها الحياة العسكرية لهم، فالذي لا شك فيه أن الوظائف العسكرية شاقة وعنيفة وخطرة، ولهذا يتطلب تمثيل الأدوار العسكرية دوافع إيجابية قوية حتى تؤدى الأعمال العسكرية بالسرعة المطلوبة “.
ويتطلب تحويل المتدرب من الشخصية المدنية وما اعتاد عليه في ظلها من سلوكيات وتصرفات يختلف عن الحياة العسكرية التي تتميز بقواعد ونظم مختلفة تفرضها طبيعة الأعمال والمهام التي على الفرد أداؤها وتنفيذها بعد تخرجه، إذ عليه في الحياة العسكرية أن يتبع نظام عسكري محدد يتسم بطبيعته بقواعد الانضباط والطاعة والحد من الحرية بالإضافة إلى التدريبات الشاقة التي تحاكي الواقع العملي الميداني لمختلف الظروف والأحوال والتي تستهدف في مجملها مهام وظيفية متنوعة منها إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن لدى أفراد المجتمع.
كما أن من أولويات التدريب العسكري صياغة الشخصية القيادية القادرة على تحمل المسؤولية وهو ما يعرف بالانضباط، والذي يصبح فيما بعد سمة يتحلى بها الفرد وتظهر في جميع سلوكه بصفة تلقائية دون تكلف سواءً كان تحت رقابة القائد عند تنفيذ الأوامر والتعليمات أو عندما يكون بعيداً عن الرقابة المباشرة.
ختاما نقول إنه لا يمكن الاعتماد على التدريب وحده لبناء شخصية عسكرية متفردة ذات كفاءة وفاعلية عالية في الأداء ما لم يكن لدى الفرد الاستعداد النفسي والقابلية الذاتية لمواصلة التعلم واكتساب المعارف والعلوم التي تنمي مهاراته وقدراته المهنية وتساعده على مواصلة النجاح والإبداع في عمله.