لدى أغلب الأمهات في هواتفهن ذلك البرنامج الذي يسمى “شرطة الأطفال”، والذي تلجأ إليه هؤلاء الأمهات لردع أبنائهن حين إثارة الشغب في البيت، والتمرد على قوانين المنزل، وما أن يقمن بفتح البرنامج حتى يصرخ الطفل متوسلا عدم التبليغ عنه، ومتعهدا بحفظ النظام وضبط سلوكه.
سعيد الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، أحد هؤلاء الأطفال الذين تضطر أمهم إلى استعمال ورقة الضغط هذه؛ حتى يخفف من حدة شغبه ومشاكساته في البيت. سألت سعيد ذات يوم: ماذا تحب أن تصبح عندما تكبر؟ قال: سأصبح شرطيا بكل تأكيد.
فسألته: لماذا؟ فأجاب: حتى أعاقب جميع الأطفال الذين يحدثون الفوضى في بيوتهم!
هذه الصورة الذهنية الصغيرة التي تشكلت في هذا السن المبكر لدى سعيد وأترابه، إنما هي جزء من منظومة الوعي الجمعي المجتمعي في مجتمعنا العماني، والذي لا تستطيع أي شمسٍ مهما بلغت شدة سطوعها من حجب الرؤية عن عينيه، وهو يرى ما يقوم به جهاز الشرطة بجميع وحداته وأقسامه في كل شبرٍ من ثرى هذه الأرض الطاهرة.
ويلزم الاعتراف أن الكثير من الناس في السابق كانوا يؤطرون عمل الشرطي، ويحصرونه بشرطة المرور أو الجرائم، لكن ذلك الانطباع تغير كثيرا، وخصوصا بعد أن مرت البلاد خلال الأعوام المنصرمة بالعديد من الأحداث التي وقفت الجهات الأمنية والعسكرية في مواجهتها كالطود العظيم، ولسان حالها: رخيصة ٌ أرواحنا حين يتعلق الأمر بالوطن، فمنذ جونو وما تلاه من أعاصير ومنخفضات مدارية مدمرة، مرورا بوفاة حبيب شعبه، وباني نهضة عمان الحديثة جلالة السلطان قابوس-طيَب الله ثراه- وصولا إلى جائحة فيروس كوفيد-19، أظهرت هذه القوات بسالة وشجاعة لا يحدها وصف، رآها القاصي والداني، أدرك معها الناس أن الثغور العمانية برا وجوا وبحرا محمية بفضل الله بذلك الحزام البشري الوثيق، الذي يطمئن تحت ظله كل مواطن ومقيم.
في أثناء الجائحة تحديدا والناس صيام في شهر رمضان وفي عز الظهيرة، حيث تقترب درجات الحرارة من الخمسين درجة سيليزية، كان أفراد الشرطة بمعية إخوانهم من باقي الجهات الأمنية واقفين على مداخل ومخارج نقاط السيطرة والتحكم، في مشهد أدمع أعين الكثيرين تأثرا بتضحياتهم، وتعاطفا مع عظمة المهام المنوطة بهم، وتلك الابتسامة اللطيفة حاضرة، والتعامل المكسو باللباقة والاحترام برغم صعوبة الظروف التي تمر بها البلاد، ما هي إلا نتاج التربية القابوسية الخالدة الذي قال -رحمه الله-: ” إن مهمة الشرطي وإن كانت صعبة فهي مفخرة، فإن العمل يتطلب منه الإخلاص والأمانة أولا، ثم مواصلة الجهد بلسان حلو ووجه بشوش”، ولقد أثمرت تلك التربية جهازا قويا للشرطة يتمتع بكفاءة عالية ومعايير مهنية للأداء تضارع أقوى أجهزة الشرطة في المنطقة والعالم.
إن الفهم الذي يتسع لدينا يوما بعد يوم مع اطلاعنا على الأزمات التي تعصف بالعالم، تجعلنا نستذكر مقابلة مع أحد المقيمين الأوروبيين في السلطنة الذي عُرف بكثرة ترحاله بين دول العالم واختار السلطنة محطة للاستقرار والإقامة، وحين سئل عن سر اختياره للسلطنة كانت احدى ردوده: ” أنها الدولة الوحيدة من بين جميع الدول التي زرتها التي أستطيع النوم فيها ليلا بأمان وباب بيتي مفتوح”.
إن هذه الإجابة وغيرها من آلاف الانطباعات لم تتأت من فراغ، حيث يقف وراءها شعبٌ مدركٌ لقيمه، متشبثٌ بمبادئه، محافظٌ على ثمار نهضة بلاده ومنجزاتها، ولكي يستمر هذا النهج ويستديم في الجيل الحالي والأجيال القادمة فعلى كل واحدٍ فينا أن يكون شرطيا في رقابته لأفعاله وسلوكاته وتصرفات من حوله، داعيا للسلام، حافظا للأمن، مدافعا عن هذا الوطن بلسانه وقلبه، ومتعاونا مع كل أفراد الشرطة حول كل ما من شأنه أن يحفظ استقرار هذا البلد، وصفاء جوه، وذلك الإحساس الدائم لدى كل فردٍ منا أن عمان بخير تحت ظل سلطانها وقواته المسلحة، فشكرا لكم بحجم كل ما علمناه عن منجزاتكم وما لم نعلم، شكرا بلسان كل الوطن دون تبعيض وتفريق وتمييز.