فهذه شذرات إدارية إستقيتها من قوله تعالى (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) ، لكل صاحب إدارة أو مسؤولية ، ولكل صاحب همهً وربُ عزيمة ورفيقٌ طموح يريد النجاح في الدنيا والآخرة فيحقق ذلك من خلال أسس الإدارة المعاصرة السليمة التي كثرت فيها الكتابات ولم يتم التطرق إلا بنزر يسير على فحوى هذه الآية الكريمة التي أرست مبادئ عظيمهّ في علم الإدارة وهي القوة والأمانة فالقويُ يصمدٌ في الأزمات ويثبت في المصائب ويدافع عن مبادئه وينتصر لدينه ووطنه ، والضعيفٌ يغلبٌ عند أقل الحوادث وينهارٌ في ميدان الكفاح أما الأمين فهو حامل لواء العلم والعدالة فكل أسس الادارة الحديثة جمعها القرآن الكريم في كلمتان (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) لذا سأتناول في هذه الورقة ما جمعته ابنة الرجل الصالح في تعليلها المختصر أمرين عظيمين تنطوي تحته كافة الكمالات الانسانية وهما القوة والأمانة . فالأمانة بلا قوة ضعف وقوة بلا أمانة فجور على التفصيل الآتي : ـ
أولاً : ـ حدود ومقتضيات الأمانة .
إن الأمانة مصطلح رفيع فلا يجب أن يضيق في معانيه وحدوده ، إذا أنه واسع لفظاً ومعنى ، فليس كما يراه الكثير بحفظ الوديعة أو حفظ المال فهذه المعاني الضيقة خلاف ما نصت عليه الآية الكريمة في عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال وتحملها الإنسان الظلوم الجهول وإننا نرى أن يوسع لفظ الامانة بانه شي تأباه طبيعة العوالم كلها إلا الانسان الذي أهله الله عزوجل بطبيعته وإتصافه بالعقل السليم القويم لذا نستنتج أن الأمانة ملازمة للعقل الإنساني والروح الإنسانية التي يستطيع أن يتهذب الإنسان فيها بسلوكه وأن يلتزم بالواجبات الاجتماعية وأن يؤديها خير الأداء سواء في محيط بيته أو وطنه ووظيفته أو مجتمعه ، فكلما تحلى الإنسان بالأمانة خلص لربة وزاد توفيقه وكثر انتاجه وخلص لوطنه ووظيفة .
هذا وتكون الأمانة شاملة لجميع الالتزامات الاجتماعية والأخلاقية فالعقل والجسم والأسرة والمجتمع والشعب والدين والعلم والمال أمانة تحقق سرا سعادة الامم أو شقائها فإذا تمسكت الامة بهذه الامانة كانت خير أمة أخرجت للناس فإذا تخلى العالم عن أمانة العلم والشعب عن أمانة المراقبة والموظف عن أمانة الوظيفة وتخلى المواطن عن امانة الوطن والرجل عن امانة الأسرة حلت الفوضى في المجتمع وانتشر الفساد الاجتماعي بين افراده .
ومن المواقع التربوي الذي أمتهنه فإن مقتضيات الأمانة يمكن تلخيصها في الاتي:ـ
- الالتزام بنظام العمل ومواعيده .
- التمكن من المادة العلمية .
- توظيف استراتيجيات وأساليب التدريس الفاعلة .
- توظيف أدوات التقويم بصورة فاعلة .
- وضوح التخطيط .
- توظيف تقنيات التعليم ومصادر التعلم المختلفة .
- تنفيذ المناهج وفق الخطط المعتمدة .
- فاعلية إدارة الموقف التعليمي .
- تقبل التوجيه والإرشاد .
- العلاقة الطيبه مع الرؤساء والزملاء .
- تنمية القيم الإيجابية وتربية المواطنة .
- التطوير الذاتي للخبرات المهنية والأكاديمية .
- الالتزام بأخلاقيات المهنة .
- روح المبادرة والإبتكار والاسهام في تطوير العمل
ثانياً : ـ الامانة والقوة مبعث الثقه والأخلاص .
القوة هي الخبرة والأمانة هي الولاء فالإنسان إذا وفق ليختار موظف عنده يتمتع بالكفاءه والقوه والإخلاص والأمانة فإنه قد وفق في اختيار هذا الشخص وهذا مبدأ يمكن أن يطبق مع كل موظف يعين في أي وظيفة (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) وقد يكون قوى وغير أمين ، وأمين وغير قوي لذا لابد أن تجتمع في الموظف هاتين الصفتين القوة والأمانة فهاتين الصفتين اساس لكل الصفات التي لابد أن يتمسك بها الانسان في كل وظيفة يوكل إليها فالقوة والأمانة متلازمتين فالقدرة والتمكن من العمل والأمانة في الإداء شرطان لابد من توافرهما في أخلاقيات أي مهنة وقد اكدت السيرة النبوية المطهرة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) فهي تكون علامة على الايمان بين عدمه فتنتفي قيم الدين إذا لم تقم أسس الأمانة فهي تعتبر قاعدة اساسية من قواعد الدين الحنيف .
فأمانة الموظف تتمثل في إتقانه لأساسيات عمله وإخلاصه في مهنته فالإنسان الأمين يدرك أن الله سبحانه وتعالى رقيب على عمله فيخلص في أدائه ويقوم بمسؤولياته على أكمل وجه فيرتقى في عمله ويبارك الله له في رزقة وذريته فالموظف الأمين هو الآهل للمسؤولية حيث جاء أهل نجرن إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يلتمسون منه مسئوولاً أميناً يدير شؤونهم ويقضي حوائجهم قال لهم ( لأبعثن إليكم رجلاً امنياً حق أمين ) فبحث أبا عبيده أبن الجراح وهو الذي قال فيه رسول الله ( لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيده أبن الجراح ) .
ثالثاً : وطننا العماني النموذج المثالي للقوى الكامنه للقوه والأمانة .
إن المستقريء في الشخصية العمانية تاريخاً وحاضراً يجد أنها قد فطرت على الأمانة والإخلاص والثقة والاحترام ، ومما يدلل على ذلك انها اختضنت الرسالة المحمدية وأمنت بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام من أول وهله وبدون تردد أو نقاش مما زادها تهذيباً وأخلاقاً وتقبلاً للرأي الاخر فالمحارب العماني وبشهادة الاخر يتمتع بأخلاق نبيله في الحرب فلم يكتب التاريخ أن العمانيين قتلوا اسيراً أو عذبوا جريحاً وإنما كانوا يقدموا دائما وجهات نظرهم جاعلين السلم خيارهم الأول والصلح رديف ذلك .
فالشخصية العمانية قليلة التباهي ، بعيده عن الغرور سليمة من الاحتقار مما جعلها ولله المحمد تغرس مبادئ الأمانة في أجيالها بعد جيل إلى أن وصلت إلى هذه النهضة المباركة الميمونة التي أرسي أركانها ومعانيها جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثره ، على ما يربو من خمسين عاماً وقد أعلنها في هذا العام حضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق حفظة الله بأنها نهضة متجدده وأكد على الامانة والأخلاق حيث قال ( إننا ماضون بعون الله في طريق البناء والتنمية نواصل مسيرة النهضة المباركة كما أراد لها السلطان الراحل رحمة الله عليه مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها مؤكدين على أن تظل عمان الغاية الاسمي في كل ما تقدم عليه وكل ما تسعى لتحقيقه) .
حيث يستفاد من هذا الخطاب الميمون أن الأمانة عظيمة واستشعار ها واجب في خدمة التنمية في كافة مجالاتها ، لذلك أكد على أن تحقيق الأمانة يتطلب على أن يكون هناك مساءلة ومحاسبة على كل من يتجرأ الأخلال بالأمانة الملقاة على عاتقه .
وفي الختام فإن نجاح المجتمعات لم يأت بضربة حظ ولا أعتباطً وانما هناك ركائز وقيم هي التي تدفع به نحو التكامل والنجاح الذي يمتلك مبعوث هائلاً في حث الأنسان والفرد والجماعة إلى التماسك ، فالله الله في الألتزام بقيم الأمانة وحدودها ومقتضياتها فالوطن بحاجة إلى ذلك حتى تأتي أكلها في كافة المجالات الإجتماعية والإقتصادية والتربوية والسياسية لتشهد مجتمعاً قوياً في داخله ووطناً مخلصاً لربه ثم إلى سلطانة لنحافظ على عمان كما عهدها العالم دولة الأمن والأمان والسلام والله ولي التوفيق في كل ذلك .